296 - ـ فصل : إنما تؤتى البيوت من أبوابها .
شكا لي رجل من بغضه لزوجته ثم قال : ما أقدر على فراقها لأمور منها كثرة دينها علي و صبري قليل و لا أكاد أسلم من فلتات لساني في الشكوى و في كلمات تعلم بغضي لها .
فقلت له : هذا لا ينفع و إنما تؤتى البيوت من أبوابها فينبغي أن تخلو بنفسك فتعلم أنها إنما سلطت عليك بذنوبك فتبالغ في الإعتذار و التوبة .
فأما الضجر و الأذى لها فما ينفع كما قال الحسن بن الحجاج : [ عقوبة من الله لكم فلا تقابلوا عقوبته بالسيف و قابلوها بالإستغفار ] .
و اعلم أنك في مقام مبتلي و لك أجر بالصبر { و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم } .
فعامل الله سبحانه بالصبر على ما قضى و إسأله الفرج .
فإذا جمعت بين الاستغفار و بين التوبة من الذنوب و الصبر على القضاء و سؤال الفرج حصلت ثلاثة فنون من العبادة تثاب على كل منها .
و لا تضيع الزمان بشيء لا ينفع و لا تحتل ظانا منك أنك تدفع ما قدر { و إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو } .
و قد روينا أن جنديا نزل يوما في دار أبي يزيد فجاء أبو يزيد فرآه فوقف و قال لبعض أصحابه : أدخل إلى المكان الفلاني فاقلع الطين الطري فإنه من وجه فيه شبهة فقلعه فخرج الجندي .
و أما أذاك للمرأة فلا وجه له لأنها مسلطة فليكن شغلك بغير هذا .
و قد روي عن بعض السلف أن رجلا شتمه فوضع خده على الأرض و قال : [ اللهم إغفر لي الذنب الذي سلطت هذا به علي ] .
قال الرجل : و هذه المرأة تحبني زائدا في الحد و تبالغ في خدمتي غير أن البغض لها مركوز في طبعي .
قلت له : فعامل الله سبحانه بالصبر عليها فإنك تثاب .
و قد قيل لأبي عثمان النيسابوري : ما أرجى عملك عندك ؟ .
قال : كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج فأبى .
فجاءتني امرأة فقالت : يا أبا عثمان إني قد هويتك و أنا أسألك بالله أن تتزوجني .
فأحضرت أباها ـ و كان فقيرا ـ فزوجني و فرح بذلك .
فلما دخلت إلي رأيتها عوراء عرجاء مشوهة .
و كانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج فأقعد حفظا لقلبها و لا أظهر لها من البغض شيئا و كأني على جمر الغضا من بغضها .
فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي قلبها .
قلت له : فهذا عمل الرجال و أي شيء ينفع ضجيج المبتلي بالتضجر بإظهار البغض .
و إنما طريقه ما ذكرته لك من التوبة و الصبر و سؤال الفرج .
و تذكر ذنوبا كانت هذه عقوبتها .
فإن وقع فرج في الحساب و إلا فإستعمال الصبر على القضاء عبادة .
و تكلف إظهار المودة لها و إن لم تكن في قلبك تثبت على هذا .
و ليس للقيد ذنب فيلام إنما ينبغي التشاغل مع من قيده و السلام