298 - ـ فصل : لا تسبوا الدهر .
ما رأيت عيني مصيبة نزلت بالخلق أعظم من سبهم للزمان و عيبهم للدهر .
و قد كان هذا في الجاهلية ثم نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال : [ لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ] .
و معناه أنتم تسبون من فرق شملكم و أمات أهاليكم و تنسبونه إلى الدهر و الله تعالى هو الفعل لذلك .
فتعجبت كيف أعلم أهل الأسقام بهذه الحال و هم على ما كان أهل الجاهلية عليه ما يتغيرون حتى ربما إجتمع الفطناء الأدباء الظراف على زعمهم فلم يكن لهم شغل إلا ذم الدهر .
و ربما جعلوا الله الدنيا و يقولون : فعلت و صنعت حتى رأيت لأبي القاسم الحريري يقول : .
( و لما تعامى الدهر و هو أبو الردى ... عن الرشد في أنحائه و مقاصده ) .
( تعاميت حتى قيل إني أخو عمى ... و لا غرو أن يحذر الفتى حذو والده ) .
و قد رأيت خلقا يعتقدون أنهم فقهاء و فهماء و لا يتاحشون من هذا .
و هؤلاء إن أرادوا بالدهر مرور الزمان فذاك لا إختيار له و لا مراد و لا يعرف رشدا من ضلال و لا ينبغي أن يلام .
فإنه زمان مدبر فيتصرف فيه و لا يتصرف .
و ما يظن بعاقل أن يشير إلى أن المذموم المعرض عن الرشد السيء الحكم هو الزمان .
فلم يبق إلا أن القوم خرجوا عن ربقة الإسلام و نسبوا هذه القبائح إلى الصانع فإعتقدوا فيه قصور الحكمة و فعل ما لا يصح كما إعتقده إبليس في تفضيل آدم .
و هؤلاء لا ينفعهم مع هذا الزيغ إعتقاد إسلام و لا فعل صلاة .
بل هم شر من الكفار لا أصلح الله لهم شأنا و لا هداهم إلى رشاد