341 - ـ فصل : عودوا كل بدن ما إعتاد .
لا ينبغي للإنسان أن يحمل على بدنه ما لا يطيق فإن البدن كالراحلة إن لم يرفق لها لم تصل بالراكب .
فترى في الناس من يتزهد و قد ربى جسده على الترف فيعرض عما ألفه فتتجدد له الأمراض فتقطعه عن كثير من العبادات .
و قد قيل : [ عودوا كل بدن ما إعتاد ] و قد قرب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ضب فقال : أجدني أعافه لأنه ليس بأرض قومي .
و في حديث الهجرة : [ أن أبا بكر Bه طلب لرسول الله صلى الله عليه و سلم الظل و فرش له فروة و صب على القدح الذي فيه اللبن ماء حتى برد ] .
[ جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم على قوم فقال : إن كان عندكم ماء بات في شن و إلا كرعنا ] .
و [ كان صلى الله عليه و سلم يأكل لحم الدجاج و في الصحيح : أنه كان يحب الحلوى و العسل و كان إذا لم يقدر أكل ما حضر ] .
و لعمري إن في العرب و أهل السواد من لا يؤثر عنده التخشن في المطعم و الملبس و ذاك إذا جرى بعد نوبته على عادته لم يستضر .
فأما من قد ألف اللطف فإنه إذا غير حالته تغير بدنه و قلت عبادته .
و قد كان الحسن يديم أكل اللحم و يقول : [ لا رغيفي مالك و لا صحني فرقد ] .
و كان ابن سيرين لا يخلي منزله من حلوى .
و كان سفيان الثوري يسافر و في سفرته الحمل المشوي و الفالوذج .
و قالت : رابعة : [ ما أرى لبدن يراد به العمل لله إذا أكل الفالوذج عيبا ] .
فمن ألف الترف فينبغي أن يتلطف بنفسه إذا أمنكنه .
و قد عرفت هذا من نفسي فإني ربيت في ترف فلما إبتدأت في التقلل و هجر المشتهي أثر معي مرضا قطعني عن كثير من التعبد .
حتى أني قرأت في أيام كل يوم خمسة أجزاء من القرآن فتتاولت يوما ما لا يصلح فلم أقدر في ذلك اليوم على قراءتها .
فقلت : إن لقمة تؤثر قراءة خمسة أجزاء بكل حرف عشر حسنات إن تناولها .
لطاعة عظيمة .
و إن مطعما يؤذي البدن فيفوته فعل خير ينبغي أن يهجر .
و [ قد رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا من أصحابه حضر عنده و قد تغير من التقشف فقال له : من أمرك بهذا ؟ ] .
فالعاقل يعطى بدنه من الغذاء ما يوافقه عن ما ينقي الغازي شعير الدابة .
و لا تظنن أني آمر بأكل الشهوات ولا بالإكثار من الملذوذ إنما آمر بتناول ما يحفظ النفس و أنهيع ما يؤذي البدن .
فأما التوسع في المطاعم فإنه سبب النوم و الشبع يعمي القلب و يهزل البدن و يضعفه .
فإفهم ما أشرت أليه فالطريق هي الوسطى