351 - ـ فصل : الجمع بين العمل و العلم صعب .
من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها كما قال الشاعر : .
( و إذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام ) .
و قال الآخر : .
( و لكل جسم في النحول بلية ... و بلاء جسمي من تفاوت همتي ) .
و بيان هذا أن من علت همته طلب العلوم كلها و لم يقتصر على بعضها و طلب من كل علم نهايته و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب .
ثم يرى ترك الدنيا و يحتاج إلى ما لا بد منه .
و يحب الإيثار و لا يقدر على البخل و يتقاضاه الكرم البذل و يمنعه عز النفس عن الكسب من وجوه التبذل .
فإن هو جرى على طبعه من الكرم احتاج و افتقر و تأثر بدنه و عائلته و إن أمسك فطبعه يأبى ذلك .
و في الجملة يحتاج إلى معاناة و جمع بين أضداد فهو أبدا في نصب لا ينقضي و تعب لا يفرغ .
ثم إذا حقق الإخلاص في الأعمال زاد تعبه و قوى وصبه فأين هو و من دنت همته ؟ إن كان فقيها فسئل عن حديث قال : ما أعرفه و إن كان محدثا عن مسألة فقيهة قال : ما أدري و لا يبالي إن قيل عنه مقصر .
و العالي الهمة يرى التقصير في بعض العلوم فضيحة قد كشفت عيبه قد أرت الناس عورته .
و القصير الهمة لا يبالي بمنن الناس و لا يستقبح سؤالهم و لا يأنف من رد و العالي الهمة لا يحمل ذلك .
و لكن تعب العالي الهمة راحة في المعنى و راحة القصير الهمة تعب و شين إن كان ثم فهم .
و الدنيا دار سباق إلى أعالي المعالي فينبغي لذي الهمة ألا يقصر في شوطه .
فإن سبق فهو المقصود و إن كبا جواده مع اجتهاده لم يلم