52 - ـ فصل : الإسلام نظافة .
تلمحت على خلق كثير من الناس إهمال إبدانهم فمنهم من لا ينظف فمه بالخلال بعد الأكل .
و منهم من لا ينفي يديه في غسلها من الزهم و منهم من لا يكاد يستاك و فيهم من لا يكتحل و فيهم من لا يراعي الإبط إلى غير ذلك فيعود هذا الإهمال بالخلل في الدين و الدنيا .
أما الدين فإنه قد أمر المؤمن بالتنظف و الإغتسال للجمعة لأجل اجتماعه بالناس و نهى عن دخول المسجد إذا أكل الثوم و أمر الشرع بتنقية البراجم و قص الأظافر و السواك و الإستحداد و غير ذلك من الآداب فإذا أهمل ذلك ترك مسنون الشرع و ربما تعدى بعض ذلك إلى فساد العبادة مثل أن يهمل أظفاره فيجمع تحته الوسخ المانع للماء في الوضوء أن يصل .
و أما الدنيا فإني رأيت جماعة من المهملين أنفسهم يتقدمون إلى السرار و الغفلة التي أوجبت إهمالهم أنفسهم أوجبت جهلهم بالأذى الحادث عنهم .
فإذا أخذوا في مناجاة السر لم يمكن أن أصدف عنهم لأنهم يقصدون السر فألقى الشدائد من ريح أفواههم .
و لعل أكثرهم من وقت انتباههم ما أمر أصبعه على أسنانه .
ثم يوجب مثل هذا نفور المرأة و قد لا تستحسن ذكر ذلك للرجل فيثمر ذلك التفافها عنه .
و قد كان ابن عباس Bها يقول : [ إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي ] و في الناس من يقول : هذا تصنع و ليس بشيء فإن الله تعالى زيننا لما خلقنا لأن للعين حظا في النظر و من تأمل أهداب العين و الحاجبين و حسن ترتيب الخلقة علم أن الله زين الأدمي .
و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم أنظف الناس و أطيب الناس و في الحديث عنه يرفع يديه حتى تبين عفرة إبطيه و كان ساقه ربما انكشفت فكأنهما جمارة .
و كان لا يفارقه السواك و كان يكره أن يشم منه ريح ليست طيبة .
و في حديث أنس الصحيح : [ ما شأنه الله ببيضاء ] .
و قد قالت الحكماء : [ من نظف ثوبه قل همه و من طاب ريحه زاد عقله ] .
و قال عليه الصلاة السلام لأصحابه : [ ما لكم تدخلون علي قلحا استاكوا ] .
و قد فضلت الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك فالمتنظف ينعم نفسه و يرفع منها عندها .
و قد قال الحكماء : [ من طال ظفره قصرت يده ثم إنه يقرب من قلوب الخلق و تحبه النفوس لنظافته و طيبه ] .
و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يحب الطيب .
ثم إنه يؤنس الزوجة بتلك الحال فإن النساء شقائق الرجال فكما أنه يكره الشيء منها فكذلك هي تكرهه و ربما صبر هو على ما يكره و هي لا تصبر .
و قد رأيت جماعة يزعمون أنهم زهاد و هم من أقذر الناس و ذلك أنهم ما قومهم العلم .
و أما ما يحكى عن داود الطائي أنه قيل له : لو سرحت لحيتك فقال : إني عنها مشغول .
فهذا قول معتذر عن العمل بالسنة و الإخبار عن غيبته عن نفسه بشدة خوفه من الآخرة و لو كان مفيقا لذلك لم يتركه فلا يحتج بحال المغلوبين .
و من تأمل خصائص الرسول صلى الله عليه و سلم رأى كاملا في العلم و العمل فيه يكون الإقتداء و هو الحجة على الخلق