69 - ـ فصل : الغرور في العلم .
أفضل الأشياء التزيد من العلم فإنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافيا استبد برأيه و صار تعظيمه لنفسه مانعا له من الاستفادة و المذاكرة تبين له خطأه و ربما كان معظما في النفوس فلم يتجاسر على الرد عليه .
و لو أنه أظهر الاستفادة لأهديت إليه مساويه فعاد عنها .
و لقد حكى ابن عقيل عن أبي المعالي الجويني أنه قال : [ إن الله تعالى يعلم جمل الأشياء و لا يعلم التفاصيل ] و لا أدري أي شبهة وقعت في وجه هذا المسكين حتى قال هذا .
و كذلك أبا حامد حين قال : النزول التنقل و الاستواء مماسة ـ و كيف أصف هذا بالفقه أو هذا بالزهد و هو لا يدري ما يجوز على الله مما لا يجوز .
و ل أنه ترك تعظيم نفسه لرد صبيان الكتاب رأيه عليه فبان له صدقهم .
و من هذا الفن أبو بكر بن مقسم : فإنه عمل كتاب الاحتجاج للقراء فأتى فيه بفوائد إلا أنه أفسد علمه بإجازته أن يقرأ بما لم يقرأ به ثم تفاقم ذلك منه حتى أجاز ما يفسد المعنى مثل قوله تعالى : { فلما استيأسوا منه خلصوا } فقال : يصلح أن يقال هنا نجيا أي خلصوا كراما براد من السرقة .
و هذا سوء فهم للقصة فإن الذي نسب إلى السرقة فظهرت معه ما خلص فما الذي ينفع خلاصهم ؟ .
و إنما سيقت القصة ليبين أنهم انفردوا و تشاوروا فيما يصنعون و كيف يرجعون إلى أبيهم و قد احتبس أخوهم .
فأي وجه للنجاة ها هنا ؟ .
و من تأمل كتابه رأى فيه من هذا الجنس ما يزيد على الإحصاء من هذا الفن القبيح و لو أنه أصغى إلىعلماء وقت و ترك تعظيم نفسه لبان له الصواب غير أن إقتصار الرجل على علمه إذا مازجه نوع رؤية للنفس حبس عن إدراك الصواب نعوذ بالله من ذلك