75 - ـ فصل : الغريزة .
لما كان بدن الآدمي لا يقوم إلا باجتلاب المصالح و دفع المؤذي ركب فيه الهوى ليكون سببا لجلب النافع و الغضب ليكون سببا لدفع المؤذي .
و لولا الهوى في المطعم ما تناول الطعام فلم يقم بدنه فجعل له إليه ميل و توق .
فإذا حصل له قدر ما يقيم بدنه زال التوق و كذلك في المشرب و الملبس و المنكح .
و فائدة المنكح من وجهين : أحدهما : إبقاء الجنس و هو معظم المقصود و الثاني : دفع الفضلة المحتقنة المؤذي احتقانها .
و لولا تركيب الهوى المائل بصاحبه إلى النكاح ما طلبه أحد فمات النسل و آذى المحتقن .
فأما العارفون فإنهم فهموا المقصود و أما الجاهلون فإنهم مالوا مع الشهوة و الهوى و لم يفهموا مقصود وضعها فضاع زمانهم فيما لا طائل فيه و فاتهم ما خلقوا لأجله و أخرجهم هواهم إلىفساد المال و ذهاب العرض و الدين ثم أداهم إلى التلف .
و كم قد رأينا من متنعم يبالغ في شراء الجواري ليحرك طبعه بالمتجسد فما كان أسرع من أن وهنت قواه الأصلية فتعجل تلفه .
و كذلك رأينا من زاد غضبه فخرج عن الحد ففتك بنفسه و بمن يحبه .
فمن علم أن هذه الأشياء إنما خلقت إعانة للبدن على قطع مراحل الدنيا و لم تخلق لنفس الألتذاذ و إنما جعلت اللذة فيها كالحيلة في إيصال النفع بها إذ لو كان المقصود التنعم بها لما جعلت الحيوانات البهيمة أو في حظا من الآدمي منها .
فطوبى لمن فهم حقائق الوضع و لم يمل له الهوى عن فهم حكم المخلوقات