96 - ـ فصل : التلطف بالنفس .
تأملت العلم و الميل إليه و التشاغل به فإذا هو يقوى القلب قوة تميل به إلى نوع قساوة و لولا قوة القلب و طول الأمل لم يقع التشاغل به .
فإني أكتب الحديث أرجو أن أرويه و أبتدىء بالتصنيف أرجو أن أتمه فإذا تأملت باب المعاملات قل الأمل و رق القلب و جاءت الدموع و طابت المناجاة و غشيت السكينة و صرت كأني في مقام المراقبة .
إلا أن العلم أفضل و أقوى حجة و أعلى رتبة و إن حدث منه ماشكوت منه .
و المعاملة و إن كثرت الفوائد التي أشرت إليها منها فإنها قريبة إلى أحوال الجبان الكسلان الذي قد إقتنع بصلاح نفسه عن هداية غيره و إنفرد بعزلته عن إجتذاب الخلق إلى ربهم .
فالصواب العكوف على العلم مع تلذيع النفس بأسباب المرققات تلذيعا لا يقدح في كمال التشاغل بالعلم .
فإني لأكره لنفسي من جهة ضعف قلبي و رقته أن أكثر زيادة القبور و إن أحضر المحتضرين لأن ذلك يؤثر في فكري و يخرجني من حيز المتشاغلين بالعلم إلى مقام الفكر في الموت و لأنتفع بنفسي مدة و فصل الخطاب في هذا أنه ينبغي أن يقام المرض بضده .
فمن كان قلبه قاسيا شديد القسوة و ليس عنده من المراقبة ما يكفه عن الخطأ قاوم ذلك بذكر الموت و محاضرة المحتضرين .
فأما من قلبه شديد الرقة فيكفيه ما به بل ينبغي له ان يتشاغل بما ينسيه ذلك لينتفع بعيشه و ليفهم ما يفتي به و قد كان الرسول صلى الله عليه و سلم يمزح ويسابق عائشة Bها و يتلطف بنفسه فمن سار سيرته عليه الصلاة السلام فهم من مضمونها ما قلت من ضرورة التلطف بالنفس