والموصول في 147 - { والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة } مبتدأ وخبره { حبطت أعمالهم } والمراد بلقاء الآخرة : لقاء الدار الآخرة : أي لقائهم لها أو لقائهم ما وعدوا به فيها على أن الإضافة إلى الظرف وحباط الأعمال بطلانها : أي بطلان ما عملوه مما صورته صورة الطاعة كالصدقة والصلة وإن كانوا في حال كفرهم لا طاعات لهم ويحتمل أن يراد أن تبطل بعدما كانت مرجوة النفع على تقدير إسلامهم لما في الحديث الصحيح : [ لما أسلمت على ما أسلفت من خير ] { هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } من الكفر بالله والتكذيب بآياته وتنكب سبيل الحق وسلوك سبيل الغي .
وقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن كعب قال : لما كلم الله موسى قال : يا رب أهكذا كلامك ؟ قال : يا موسى إنما أكلمك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها ولو كلمتك بكنه كلامي لم تك شيئا وأخرج البزار وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات من حديث جابر قال : قال رسول الله A : [ لما كلم الله موسى يوم الطور كلمه بغير الكلام الذي كلمه به يوم ناداه فقال له موسى : يا رب أهذا كلامك الذي كلمتني به ؟ قال : يا موسى إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها وأقوى من ذلك فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا : يا موسى صف لنا كلام الرحمن فقال : لا تستطيعونه ألم تروا إلى أصوات الصواعق التي تقتل في أحلى حلاوة سمعتموه فذاك قريب منه وليس به ] وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال : إنما كلم الله موسى بقدر ما يطيق من كلامه ولو تكلم بكلامه كله لم يطقه شيء فمكث موسى أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات من نور رب العالمين وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : { قال رب أرني أنظر إليك } يقول : أعطني أنظر إليك وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : لما سمع الكلام طمع في الرؤية وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : حين قال موسى لربه تبارك وتعالى : { رب أرني أنظر إليك } قال الله : يا موسى إنك لن تراني قال : يقول : ليس تراني ولا يكون ذلك أبدا يا موسى إنه لن يراني أحد فيحيا قال موسى : رب إني أراك ثم أموت أحب إلي من أن لا أراك ثم أحيا فقال الله لموسى : يا موسى انظر إلى الجبل العظيم الطويل الشديد { فإن استقر مكانه } يقول : فإن ثبت مكانه لم يتضعضع ولم ينهد لبعض ما يرى من عظمتي { فسوف تراني } أنت لضعفك وذلتك وإن الجبل انهد بقوته وشدته وعظمته فأنت أضعف وأذل وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك : [ أن النبي A قرأ هذه الآية { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } قال : هكذا وأشار بأصبعيه ووضع إبهاميه على أنملة الخنصر وفي لفظ على المفصل الأعلى من الخنصر فساخ الجبل { وخر موسى صعقا } ] وفي لفظ : [ فساخ الجبل في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة ] .
وهذا الحديث حديث صحيح على شرط مسلم وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : الجبل الذي أمره الله أن ينظر إليه الطور وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن ابن عباس : { فلما تجلى ربه للجبل } قال : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر { جعله دكا } قال : ترابا { وخر موسى صعقا } قال : مغشيا عليه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والديلمي عن أنس أن النبي A قال : [ لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة بالمدينة : أحد وورقان ورضوى وبمكة : حراء وثبير وثور ] وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس أن رسول الله A قال : [ لما تجلى الله لموسى تطايرت سبعة أجبل ففي الحجاز خمسة منها وفي اليمن اثنان في الحجاز : أحد وثبير وحراء وثور وورقان وفي اليمن : حضور وصبر ] وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس أن موسى لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه فسأله فقال : { لن تراني ولكن انظر إلى الجبل } قال : فحف حول الجبل الملائكة وحف حول الملائكة بنار وحف حول النار بملائكة وحف حولهم بنار ثم تجلى ربه للجبل تجلى منه مثل الخنصر فجعل الجبل دكا وخر موسى صعقا فلم يزل صعقا ما شاء الله ثم أفاق فقال : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين من بني إسرائيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : كتب الله الألواح لموسى وهو يسمع صريف الأقلام في لوح وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي A قال : [ الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة كان طول اللوح إثني عشر ذراعا ] وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كانوا يقولون كانت الألواح من ياقوتة وأنا أقول : إنما كانت من زمرد وكتابها الذهب كتبها الله بيده فسمع أهل السموات صريف الأقلام .
أقول : رحم الله سعيدا ما كان أغناه عن هذا الذي قاله من جهة نفسه فمثله لا يقال بالرأي ولا بالحدس والذي يغلب به الظن أن كثيرا من السلف رحمهم الله كانوا يسألون اليهود عن هذه الأمور فلهذا اختلفت واضطربت فهذا يقول من خشب وهذا يقول من ياقوت وهذا يقول من زمرد وهذا يقول من زبرجد وهذا يقول من برد وهذا يقول من حجر وأخرج أبو الشيخ عن السدي { وكتبنا له في الألواح من كل شيء } كل شيء أمروا به ونهوا عنه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله وقد اختلف السلف في المكتوب في الألواح اختلافا كثيرا ولا مانع من حمل المكتوب على جميع ذلك لعدم التنافي وأخرج وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { فخذها بقوة } قال : بجد وحزم { سأريكم دار الفاسقين } قال : دار الكفار وأخرج ابن جرير عنه { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } قال : أمر موسى أن يأخذها بأشد مما أمر به قومه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس { فخذها بقوة } قال : بطاعة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله : { فخذها بقوة } يعني بجد واجتهاد { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } قال : بأحسن ما يجدون منها وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد { سأريكم دار الفاسقين } قال : مصيرهم في الآخرة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة قال : منازلهم في الدنيا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال : جهنم وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال : مصر وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله : { سأصرف عن آياتي } قال : عن أن يتفكروا في آياتي وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج { عن آياتي } قال : عن خلق السموات والأرض والآيات التي فيها سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها أو يعتبروا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سفيان بن عيينة في الآية قال : أنزع عنهم فهم القرآن