قوله : 150 - { ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا } هذا بيان لما وقع من موسى بعد رجوعه وانتصاب غضبان و أسفا على الحال والأسف شديد الغضب قيل : هو منزلة وراء الغضب أشد منه وهو أسف وأسيف وأسفان وأسوف قال ابن جرير الطبري : أخبره الله قبل رجوعه بأنهم قد فتنوا فلذلك رجع وهو غضبان أسفا { قال بئسما خلفتموني من بعدي } هذا ذم من موسى لقومه : أي بئس العمل ما عملتموه من بعدي : أي من بعد غيبتي عنكم يقال : خلفه بخير وخلفه بشر استنكر عليهم ما فعلوه وذمهم لكونهم قد شاهدوا من الآيات ما يوجب بعضه الانزجار والإيمان بالله وحده ولكن هذا شأن بني إسرائيل في تلون حالهم واضطراب أفعالهم ثم قال منكرا عليهم : { أعجلتم أمر ربكم } والعجلة : التقدم بالشيء قبل وقته يقال : عجلت الشيء سبقته وأعجلت الرجل حملته على العجلة والمعنى : أعجلتم عن انتظار أمر ربكم : أي ميعاده الذي وعدنيه وهو الأربعون ففعلتم ما فعلتم وقيل معناه : تعجلتم سخط ربكم وقيل معناه : أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم { وألقى الألواح } أي طرحها لما اعتراه من شدة الغضب والأسف حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل قوله : { وأخذ برأس أخيه يجره إليه } أي أخذ برأس أخيه هارون أو بشعر رأسه حال كونه يجره إليه : فعل به ذلك لكونه لم ينكر على السامري ولا غيره ما رآه من عبادة بني إسرائيل للعجل فقال هارون معتذرا منه : { ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني } أي إني لم أطق تغيير ما فعلوه لهذين الأمرين استضعافهم لي ومقاربتهم لقتلي وإنما قال ابن أم مع كونه أخاه من أبيه وأمه لأنها كلمة لين وعطف ولأنها كانت كما قيل مؤمنة وقال الزجاج : قيل كان هارون أخا موسى لأمه لا لأبيه قرئ ابن أم بفتح الميم تشبيها له بخمسة عشر فصار كقولك : يا خمسة عشر أقبلوا وقال الكسائي والفراء وأبو عبيد : إن الفتح على تقدير يابن أما وقال البصريون هذا القول خطأ : لأن الألف خفيفة لا تحذف ولكن جعل الإسمين إسما واحدا كخمسة عشر واختاره الزجاج والنحاس وأما من قرأ بكسر الميم فهو على تقدير ابن أمي ثم حذفت الياء وأبقيت الكسرة لتدل عليها وقال الأخفش وأبو حاتم : ابن أم بالكسر كما تقول : يا غلام أقبل وهي لغة شاذة والقراءة بها بعيدة وإنما هذا فيما يكون مضافا إليك وقرئ { ابن أم } بإثبات الياء قوله : { فلا تشمت بي الأعداء } الشماتة : السرور من الأعداء بما يصيب من يعادونه مع المصائب ومنه قوله A : [ اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وجهد البلاء وشماتة الأعداء ] وهو في الصحيح ومنه قول الشاعر : .
( إذا ما الدهر جر على أناس ... كلاكله أناخ بآخرينا ) .
( فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا ) .
والمعنى : لا تفعل بي ما يكون سببا للشماتة منهم وقرأ مجاهد ومالك بن دينار { فلا تشمت بي الأعداء } بفتح حرف المضارعة وفتح الميم ورفع الأعداء على أن الفعل مسند إليهم : أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله بي وروي عن مجاهد أنه قرأ { تشمت } كما تقدم عنه مع نصب الأعداء قال ابن جني : والمعنى فلا تشمت بي أنت يا رب وجاز هذا كما في قوله : { الله يستهزئ بهم } ونحوه ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلا نصب به الأعداء كأنه قال : ولا تشمت يا رب بي الأعداء وما أبعد هذه القراءة عن الصواب وأبعد تأويلها عن وجوه الإعراب قوله : { ولا تجعلني مع القوم الظالمين } أي لا تجعلني بغضبك علي في عداد القوم الظالمين : يعني الذين عبدوا العجل أو لا تعتقد أني منهم