وقوله : 103 - { ولو أنهم آمنوا } أي بالنبي A وما جاء به من القرآن { واتقوا } ما وقعوا فيه من السحر والكفر واللام في قوله : { لمثوبة } جواب لو والمثوبة : الثواب وقال الأخفش : إن الجواب محذوف والتقدير ولو أنهم آمنوا واتقوا لأثيبوا فحذف لدلالة قوله : لمثوبة عليه وقوله : { لو كانوا يعلمون } هو إما للدلالة على أنه لا علم لهم أو لتنزيل علمهم مع عدم العمل منزلة العدم .
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس [ قال ابن صوريا للنبي A : يا محمد ما جئتنا بشيء يعرف وما أنزل الله عليك من آية بينة فأنزل الله تعالى في ذلك : { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون } ] وقال مالك بن الصيف حين بعث رسول الله A وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد : والله ما عهد إلينا في محمد ولا أخذ علينا شيئا فأنزل الله { أو كلما عاهدوا } الآية وأخرج ابن جرير عنه في قوله : { آيات بينات } يقول : فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك وأنت عندهم أمي لم تقرأ الكتاب وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه ففي ذلك عبرة لهم وحجة عليهم { لو كانوا يعلمون } وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : { نبذه } قال : نقضه وأخرج أيضا عن السدي في قوله : { مصدقا لما معهم } قال : لما جاءهم محمد عارضوه بالتوراة واتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت كأنهم لا يعلمون بما في التوراة من الأمر باتباع محمد A وتصديقه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء فإذا سمع أحدهم بكلمة حق كذب معها ألف كذبة فأشربتها قلوب الناس واتخذوها دواوين فأطلع الله على ذلك سليمان بن داود فأخذها فدفنها تحت الكرسي فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال : ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممنع ؟ قالوا : نعم فأخرجوه فإذا هو سحر فتناسختها الأمم وأنزل الله عذر سليمان فيما قالوا من السحر فقال { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } الآية وأخرج النسائي وابن أبي حاتم عنه قال : كان آصف كاتب سليمان وكان يعلم الاسم الأعظم وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا وقالوا : هذا الذي كان سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا وقالوا : هذا الذي كان سليمان يعمل بها فأكفره جهال الناس وسبوه ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل الله على محمد { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } الآية وأخرج ابن جرير عنه قال : كان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يأتي شيئا من شأنه أعطى الجرادة وهي امرأته خاتمه فلما أراد الله أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها : هاتي خاتمي فأخذه فلبسه فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس فجاء سليمان فقال : هاتي خاتمي فقالت : كذبت لست سليمان فعرف أنه بلاء ابتلي به فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبا فيها سحر وكفر ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ثم أخرجوها فقرأوها على الناس وقالوا : إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب فبرئ الناس من سليمان وأكفروه حتى بعث الله محمدا وأنزل عليه { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا } وأخرج ابن جرير عنه في قوله : { وما تتلوا } قال : ما تتبع وأخرج أيضا عن عطاء في قوله : { ما تتلوا } قال : نراه ما تحدث وأخرج أيضا عن ابن جريج في قوله : { على ملك سليمان } يقول : في ملك سليمان وأخرج أيضا عن السدي في قوله : { وما أنزل على الملكين } قال : هذا سحر آخر خاصموه به فإن كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإنس فصنع وعمل به كان سحرا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { وما أنزل على الملكين } قال : لم ينزل الله السحر وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال : هما ملكان من ملائكة السماء وأخرج نحوه ابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعا وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر عن ابن عباس { وما أنزل على الملكين } يعني جبريل وميكائيل { ببابل هاروت وماروت } يعلمان الناس السحر وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن البزي أنه كان يقرأنها : وما أنزل على الملكين داود وسليمان وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : هما علجان من أهل بابل : وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله A : [ أشرفت الملائكة على الدنيا فرأت بني آدم يعصون فقالت : يا رب ما أجهل هؤلاء ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك فقال الله : لو كنتم في محلاتهم لعصيتموني قالوا : كيف يكون هذا ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟ قال : فاختاروا منكم ملكين فاختاروا هاروت وماروت ثم أهبطا إلى الأرض وركبت فيهما شهوات بني آدم ومثلت لهما امرأة فما عصما حتى واقعا المعصية فقال الله : اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فنظر أحدهما لصاحبه قال : ما تقول ؟ قال : أقول إن عذاب الدنيا ينقطع وإن عذاب الآخرة لا ينقطع فاختارا عذاب الدنيا فهما اللذان ذكر الله في كتابه : { وما أنزل على الملكين } ] الآية وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر أنه كان يقول : أطلعت الحمراء بعد فإذا رآها قال : لا مرحبا ثم قال : إن ملكين من الملائكة هاروت وماروت سألا الله أن يهبطهما إلى الأرض فأهبطا إلى الأرض فكانا يقضيان بين الناس فإذا أمسيا تكلما بكلمات فعرجا بها إلى السماء فقيض لهما امرأة من أحسن النساء وألقيت عليهما الشهوة فجعلا يؤخرانها وألقيت في أنفسهما فلم يزالا يفعلان حتى وعدتهما ميعادا فأتتهما للميعاد فقالت : علماني الكلمة التي تعرجان بها فعلماها الكلمة فتكلمت بها فعرجب إلى السماء فمسخت فجعلت كما ترون فلما أمسيا تكلما بالكلمة فلم يعرجا فبعث إليهما : إن شئتما فعذاب الآخرة وإن شئتما فعذاب الدنيا إلى أن تقوم الساعة على أن تلقيا الله فإن شاء عذبكما وإن شاء رحمكما فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال : بل نختار عذاب الدنيا ألف ألف ضعف فهما يعذبان إلى يوم القيامة وقد رويت هذه القصة عن ابن عمر بألفاظ وفي بعضهما أنه يروي ذلك ابن عمر عن كعب الأحبار كما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طريق الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب قال : ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب فقيل : لو كنتم مكانكم لأتيتم مثل ما يأتون فاختاروا منكم اثنين فاختاروا هاروت وماروت فقال لهما : إني أرسل إلى بني آدم رسلا فليس بيني وبينكم رسول إنزلا لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال كعب : فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استعملا جميع ما نهيا عنه قال ابن كثير : وهذا أصح يعني من الإسنادين اللذين ذكرهما قبله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب قال : إن هذه الزهرة تسميها العرب الزهرة والعجم أناهيد وذكر نحو الرواية السابقة عن ابن عمر عند الحاكم قال ابن كثير : وهذا الإسناد رجاله ثقات وهو غريب جدا وقد أخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كانت الزهرة امراة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عنه : أن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت فهي هذه الكوكبة الحمراء : يعني الزهرة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عنه فذكر قصة طويلة وفيها التصريح بأن الملكين شربا الخمر وزنيا بالمرأة وقتلاها وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس هذه القصة وقالا : إنها أنزلت إليهما الزهرة في صورة امرأة وأنهما وقعا في الخطيئة وقد روي في هذا الباب قصص طويلة وروايات مختلفة استوفاها السيوطي في الدر المنثور وذكر ابن كثير في تفسيره بعضها ثم قال : وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال انتهى وقال القرطبي : بعد سياق بعض ذلك : قلنا هذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمر وغيره لا يصح منه شيء فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة الذين هم أمناء الله على وحيه وسفراؤه إلى رسله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ثم ذكر ما معناه : أن العقل يجوز وقوع ذلك منهم لكن وقوع هذا الجائز لا يدرى إلا بالسمع ولم يصح انتهى وأقول هذا مجرد استبعاد وقد ورد الكتاب العزيز في هذا الموضع بما تراه ولا وجه لإخراجه عن ظاهره بهذه التكلفات وما ذكره من أن الأصول تدفع ذلك فعلى فرض وجود هذه الأصول فهي مخصصة بما وقع في هذه القصة ولا وجه لمنع التخصيص وقد كان إبليس يملك المنزلة العظيمة وصار أشر البرية وأكفر العالمين وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : { إنما نحن فتنة } قال : بلاء وأخرج البزار بإسناد صحيح والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : [ من أتى كاهنا أو ساحرا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ] وأخرج البزار عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله : [ من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن عقد عقدة ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ] وأخرج عبد الرزاق عن صفوان بن سليم قال : قال رسول الله A : [ من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا كان آخر عهده من الله ] وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { من خلاق } قال : قوام وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : { من خلاق } من نصيب وكذا روى ابن جرير عن مجاهد وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن : { ما له في الآخرة من خلاق } قال : ليس له دين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ولبئس ما شروا به } قال : باعوا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله : { لمثوبة } قال : ثواب