169 - { فخلف من بعدهم خلف } المراد بهم أولاد الذين قطعهم الله في الأرض قال أبو حاتم : الخلف بسكون اللام الأولاد الواحد والجمع سواء والخلف بفتح اللام البدل ولدا كان أو غيره وقال ابن الأعرابي : الخلف بالفتح الصالح وبالسكون الطالح قال لبيد : .
( ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب ) .
ومنه قيل للرديء من الكلام خلف بالسكون وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر ومنه قول حسان بن ثابت : .
( لنا القدم الأولى إليك وخلفنا ... لأولنا في طاعة الله تابع ) .
{ ورثوا الكتاب } أي التوراة من أسلافهم يقرأونها ولا يعملون بها { يأخذون عرض هذا الأدنى } أخبر الله عنهم بأنهم يأخذون ما يعرض لهم من متاع الدنيا لشدة حرصهم وقوة نهمتهم والأدنى مأخوذ من الدنو وهو القرب : أي يأخذون عرض هذا الشيء الأدنى وهو الدنيا يتعجلون مصالحها بالرشاء وما هو مجعول لهم من السحت في مقابلة تحريفهم لكلمات الله وتهوينهم للعمل بأحكام التوراة وكتمهم لما يكتمونه منها وقيل : إن الأدنى مأخوذ من الدناءة والسقوط : أي إنهم يأخذون عرض الشيء الدنيء السابق { ويقولون سيغفر لنا } أي يعللون أنفسهم بالمغفرة مع تماديهم في الضلالة وعدم رجوعهم إلى الحق وجملة { يأخذون } يحتمل أن تكون مستأنفة لبيان حالهم أو في محل نصب على الحال وجملة { يقولون } معطوفة عليها والمراد بهذا الكلام : التقريع والتوبيخ لهم وجملة { وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه } في محل نصب على الحال : أي يتعللون بالمغفرة والحال أنهم إذا أتاهم عرض مثل العرض الذي كانوا يأخذونه أخذوه غير مبالين بالعقوبة ولا خائفين من التبعة وقيل : الضمير في { يأتيهم } ليهود المدينة : أي وإن يأت هؤلاء اليهود الذين هم في عصر محمد A عرض مثل العرض الذي كان يأخذه أسلافهم أخذوه كما أخذه أسلافهم { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب } أي التوراة { أن لا يقولوا على الله إلا الحق } والاستفهام للتقريع والتوبيخ وجملة { ودرسوا ما فيه } معطوفة على { يؤخذ } على المعنى وقيل على { ورثوا الكتاب } والأولى أن تكون في محل نصب على الحال بتقدير قد والمعنى : أنهم تركوا العمل بالميثاق المأخوذ عليهم في الكتاب والحال أن قد درسوا ما في الكتاب وعلموه فكان الترك منهم عن علم لا عن جهل وذلك أشد ذنبا وأعظم جرما وقيل : معنى { درسوا ما فيه } أي محوه بترك العمل به والفهم له من قولهم درست الريح الآثار : إذا محتها { والدار الآخرة خير } من ذلك العرض الذي أخذوه وآثروه عليها { للذين يتقون } اله ويجتنبون معاصيه { أفلا تعقلون } فتعلمون بهذا وتفهمونه وفي هذا من التوبيخ والتقريع ما لا يقادر قدره