قوله : 8 - { ليحق الحق ويبطل الباطل } هذه الجملة علة لما يريده الله : أي أراد ذلك أو يريد ذلك ليظهر الحق ويرفعه { ويبطل الباطل } ويضعه أو اللام متعلقة بمحذوف : أي فعل ذلك ليحق الحق وقيل : متعلق بيقطع وليس في هذه الجملة تكرير لما قبلها لأن الأولى لبيان التفاوت فيما بين الإرادتين وهذه لبيان الحكمة الداعية إلى ذلك والعلة المقتضية له والمصلحة المترتبة عليه وإحقاق الحق إظهاره وإبطال الباطل إعدامه { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق } ومفعول { ولو كره المجرمون } محذوف : أي ولو كرهوا أن يحق الحق ويبطل الباطل والمجرمون هم المشركون من قريش أو جميع طوائف الكفار .
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي أيوب الأنصاري قال : [ قال لنا رسول الله A ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال : ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا رسول الله A أن نتعاد ففعلنا فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر فأخبرنا النبي A بعدتنا فسر بذلك وحمد الله وقال : عدة أصحاب طالوت فقال : ما ترون في قتال القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم فقلنا : يا رسول الله لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم إنما خرجنا للعير ثم قال : ما ترون في قتال القوم ؟ فقلنا مثل ذلك فقال المقداد : لا تقولوا كما قال قوم موسى لموسى : { اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون } فأنزل الله : { كما أخرجك ربك } إلى قوله : { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين إما القوم وإما العير طابت أنفسنا ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا فقال رسول الله A : اللهم إني أنشدك وعدك فقال ابن رواحة : يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك ورسول الله A أفضل من .
أن يشير عليه إن الله أجل وأعظم من أن تنشده وعده فقال : يا ابن رواحة لأنشدن الله وعده فإن الله لا يخلف الميعاد فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله A في وجوه القوم فانهزموا فأنزل الله : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } فقتلنا وأسرنا فقال عمر : يا رسول الله ما أرى أن يكون لك أسرى فإنما نحن داعون مؤلفون فقلنا : يا معشر الأنصار إنما يحمل عمر على ما قال حسد لنا فنام رسول الله A ثم استيقظ فقال : ادعوا لي عمر فدعى له فقال : إن الله قد أنزل علي { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } الآية ] وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن مردويه عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبيه عن جده قال : [ خرج رسول الله A إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال : كيف ترون ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله بلغنا أنهم كذا وكذا ثم خطب الناس فقال : كيف ترون ؟ فقال عمر مثل قول أبي بكر ثم خطب الناس فقال : كيف ترون ؟ فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله إيانا تريد فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن .
لنسيرن معك ولا نكونن كالذين قالوا لموسى : { اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون } ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له فصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وعاد من شئت وسالم من شئت وخذ من أموالنا ما شئت فنزل القرآن على قول سعد { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } إلى قوله : { ويقطع دابر الكافرين } وإنما كان رسول الله A يريد الغنيمة مع أبي سفيان فأحدث الله إليه القتال ] وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } قال : كذلك يجادلونك في خروج القتال وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } قال : خروج النبي A إلى بدر { وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } قال : لطلب المشركين { يجادلونك في الحق بعد ما تبين } أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله به وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله : { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم } قال : هي عير أبي سفيان ود أصحاب محمد A أن العير كانت لهم وأن القتال صرف عنهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { ويقطع دابر الكافرين } أي شأفتهم ووقعة بدر قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير والتاريخ مستوفاة فلا نطيل بذكرها