3 - { الذين يؤمنون بالغيب } هو وصف للمتقين كاشف والإيمان في اللغة : التصديق وفي الشرع ما سيأتي والغيب في كلام العرب : كل ما غاب عنك قال القرطبي : واختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا فقالت فرقة : الغيب في هذه الآية هو الله سبحانه وضعفه ابن العربي وقال آخرون : القضاء والقدر وقال آخرون : القرآن وما فيه من الغيوب وقال آخرون : الغيب كل ما أخبر به الرسول مما لا تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار قال ابن عطية : وهذه الأقوال لا تتعارض بل يقع الغيب على جميعها قال : وهذا هو الإيمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل حين قال للنبي A : [ فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال : صدقت ] انتهى وهذا الحديث هو ثابت في الصحيح بلفظ : [ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره ] وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة عن تويلة بنت أسلم قالت : [ صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيليا فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا بأن رسول الله A قد استقبل البيت فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام فبلغ رسول الله A فقال : أولئك قوم آمنوا بالغيب ] وأخرج البزار وأبو يعلى والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال : كنت جالسا مع النبي A فقال : [ أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا ؟ فقالوا : يا رسول الله الملائكة قال : هم كذلك ويحق لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا : يا رسول الله الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالته والنبوة قال : هم كذلك ويحق لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا : يا رسول الله الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء قال : هم كذلك وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة قالوا : فمن يا رسول الله ؟ قال : أقوام في أصلاب الرجال يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ويصدقوني ولم يروني يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا ] وفي إسناده محمد بن أبي حميد وفيه ضعف وأخرج الحسن بن عرفة في حزبه المشهور والبيهقي في الدلائل عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله A فذكر نحو الحديث الأول وفي إسناده المغيرة بن قيس البصري وهو منكر الحديث وأخرج نحوه الطبراني عن ابن عباس مرفوعا والإسماعيلي عن أبي هريرة مرفوعا أيضا والبزار عن أنس مرفوعا وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله A : [ يا ليتني قد لقيت إخواني قالوا : يا رسول الله ألسنا إخوانك ؟ قال : بلى ولكن قوم يجيئون من بعدكم يؤمنون بي إيمانكم ويصدقوني تصديقكم وينصروني نصركم فيا ليتني قد لقيت إخواني ] وأخرج نحوه ابن عساكر في الأربعين السباعية من حديث أنس وفي إسناده أبو هدبة وهو كذاب وزاد فيه [ ثم قرأ النبي A { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة } الآية ] وأخرج أحمد والدارمي والبارودي وابن قانع معا في معجم الصحابة والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي جمعة الأنصاري قال : [ قلت : يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجرا آمنا بك واتبعناك ؟ قال : ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء بل قوم يأتون من بعدكم ياتيهم كتاب الله بين لوحين فيؤمنون بي ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا ] وأخرج أحمد وابن أبي شيبة والحاكم عن أبي عبد الرحمن الجهني قال : [ بينما نحن عند رسول الله A إذ طلع راكبان فقال رسول الله A : كنديان أو مذحجيان حتى أتيا فإذا رجلان من مذحج فدنا أحدهما ليبايعه فلما أخذ بيده قال : يا رسول الله أرأيت من جاءك فآمن بك واتبعك وصدقك فماذا له ؟ قال : طوبى له فمسح على زنده وانصرف ثم جاء الآخر حتى أخذ بيده ليبايعه فقال : يا رسول الله أرأيت من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك ؟ قال : طوبى له ثم طوبى له ثم مسح على زنده وانصرف ] وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله A : [ طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات ] وأخرج أحمد وابن حبان عن أبي سعيد [ أن رجلا قال : يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك ؟ قال : طوبى لمن رأني وآمن بي وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ] وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد عن ابن عمر نحوه وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني من حديث أنس نحو حديث أبي أمامة الباهلي المتقدم وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وأحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم وابن الضباري والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه قال : والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ { الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه } إلى قوله : { المفلحون } وللتابعين أقوال والراجح ما تقدم من أو الإيمان الشرعي يصدق على جميع ما ذكر هنا قال بن جرير : والأولى أن تكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولا واعتقادا وعملا قال : وتدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل وقال ابن كثير : إن الإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد إجماعا أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص وقد ورد فيه آيات كثيرة انتهى .
{ ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون } .
هو معطوف على { يؤمنون } والإقامة في الأصل : الدوام والثبات يقال : قام الشيء : أي دام وثبت وليس من القيام على الرجل وإنما هو من قولك قام الحق : أي ظهر وثبت قال الشاعر : .
( وقامت الحرب بنا على ساق ) .
وقال آخر : .
( إذا يقال أقيموا لم تبرحوا ... حتى تقيم الخيل سوق طعان ) .
وإقامة الصلاة أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها في أوقاتها والصلاة أصلها في اللغة : الدعاء من صلى يصلي إذا دعا وقد ذكر هذا الجوهري وغيره وقال قوم : هي مأخوذة من الصلا وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل لأنه يأتي في الحلبة ورأسه عند صلوى السابق فاشتقت منه الصلاة لأنها ثانية للإيمان فشبهت بالمصلي من الخيل وإما لأن الراكع يثني صلويه والصلا مغرز الذنب من الفرس والاثنان صلوان والمصلي تالي السابق لأن رأسه عند صلوه ذكر هذا القرطبي في تفسيره وقد ذكر المعنى الثاني في الكشاف هذا المعنى اللغوي وأما المعنى الشرعي فهو هذه الصلاة التي هي ذات الأركان والأذكار وقد اختلف أهل العلم هل هي مبقاة على أصلها اللغوي أو موضوعة وضعا شرعيا ابتدائيا فقيل : بالأول وإنما جاء الشرع بزيادات هي الشروط والفروض الثابتة فيها وقال قوم : بالثاني والرزق عند الجمهور ما صلح للانتفاع به حلالا كان أو حراما خلافا للمعتزلة فقالوا : إن الحرام ليس برزق وللبحث في هذه المسألة موضع غير هذا والإنفاق : إخراج المال من اليد وفي المجيء بمن التبعضية ههنا نكتة سرية هي الإرشاد إلى ترك الإسراف وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن إسحاق عن ابن عباس في قوله : { يقيمون الصلاة } قال : الصلوات الخمس { ومما رزقناهم ينفقون } قال : زكاة أموالهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أن إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها { ومما رزقناهم ينفقون } قال : أنفقوا في فرائض الله التي افترض عليهم في طاعته وسبيله وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير ونحوه وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله : { ومما رزقناهم ينفقون } قال : هي نفقة الرجل على أهله وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : كانت النفقات قربات يتقربون بها إلى الله D على قدر ميسورهم وجهدهم حتى نزلت فرائض الصدقات في سورة براءة هن الناسخات المبينات واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات وهو الحق من غير فرق بين النفقة على الأقارب وغيرهم وصدقة الفرض والنفل وعدم التصريح بنوع من الأنواع التي يصدق عليها مسمى الإنفاق يشعر أتم إشعار بالتعميم