قوله : 61 - { ومنهم } هذا نوع آخر بما حكاه الله من فضائح المنافقين وقبائحهم وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي A على وجه الطعن والذم هو أذن قال الجوهري : يقال رجل أذن : إذا كان يسمع مقال كل أحد يستوي فيه الواحد والجمع ومرادهم أقمأهم الله أنهم إذا آذوا النبي وبسطوا فيه ألسنهم وبلغه ذلك اعتذروا له وقبل ذلك منهم لأنه يسمع كل ما يقال له فيصدقه وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدقه أنه أذن مبالغة لأنهم سموه بالجارحة التي هي آلة السماع حتى كأن جملته أذن سامعة ونظيره قولهم للربيئة عين وإيذاؤهم له هو قولهم : { هو أذن } لأنهم نسبوه إلى أنه يصدق كل ما يقال له ولا يفرق بين الصحيح والباطل اغترارا منهم بحلمه عنهم وصفحه عن جناياتهم كرما وحلما وتغاضيا ثم أجاب الله عن قولهم هذا فقال : { قل أذن خير لكم } بالإضافة على قراءة الجمهور وقرأ الحسن بالتنوين وكذا قرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه كأنه قيل : نعم هو أذن ولكن نعم الأذن هو لكونه أذن خير لكم وليس بأذن في غير ذلك كقولهم رجل صدق يريدون الجودة والصلاح والمعنى أنه يسمع الخير ولا يسمع الشر وقرئ أذن بسكون الذال وضمها ثم فسر كونه أذن خير بقوله : { يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين } أي يصدق بالله ويصدق المؤمنين لما علم فيهم من خلوص الإيمان فتكون اللام في { للمؤمنين } للتقوية كما قال الكوفيون أو متعلقة بمصدر محذوف كما قال المبرد وقرأ الجمهور ورحمة بالرفع عطف على أذن وقرى حمزة بالخفض عطفا على خير والمعنى على القراءة الأولى : هو أنه أذن خير وأنه هو رحمة للمؤمنين وعلى القراءة الثانية : أنه أذن خير وأذن رحمة قال النحاس : وهذا عند أهل العربية بعيد يعني قراءة الجر لأنه قد تباعد بين الإسمين وهذا يقبح في المخفوض والمعنى : أن النبي A أذن خير للمنافقين { ورحمة } لهم حيث لم يكشف أسرارهم ولا فضحهم فكأنه قال : هو أذن كما قلتم لكنه أذن خير لكمن لا أذن سوء فسلم لهم قولهم فيه إلا أنه فسره بما هو مدح له وثناء عليه وإن كانوا قصدوا به المذمة والتقصير بفطنته ومعنى { للذين آمنوا منكم } أي الذين أظهروا الإيمان وإن لم يكونوا مؤمنين حقيقة { والذين يؤذون رسول الله } A بما تقدم من قولهم : هو أذن ونحو ذلك مما يصدق عليه أنه أذية لرسول الله A { لهم عذاب أليم } أي شديد الألم وقرأ ابن أبي عبلة ورحمة للمؤمنين بالنصب على أنها علة لمعلل محذوف : أي ورحمة لكم يأذن لكم