ثم قال : 66 - { لا تعتذروا } نهيا لهم عن الاشتغال بالاعتذارات الباطلة فإن ذلك غير مقبول منهم وقد نقل الواحدي عن أئمة اللغة أن معنى الاعتذار محو أثر الذنب وقطعه من قولهم اعتذر المنزل إذا درس واعتذرت المياه إذا انقطعت { قد كفرتم } أي أظهرتم الكفر بما وقع منكم من الاستهزاء المذكور { بعد إيمانكم } أي بعد إظهاركم الإيمان مع كونكم تبطنون الكفر { إن نعف عن طائفة منكم } وهم من أخلص الإيمان وترك النفاق وتاب عنه قال الزجاج : الطائفة في اللغة الجماعة قال ابن الأنباري : ويطلق لفظ الجمع على الواحد عند العرب { نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين } سبب { أنهم كانوا مجرمين } مصرين على النفاق لم يتوبوا منه قرئ نعذب بالنون وبالتاء الفوقية على البناء للمفعول وبالتحتية على البناء للفاعل وهو الله سبحانه .
وقد أخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان نبتل بن الحارث يأتي رسول الله A فيجلس إليه فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين وهو الذي قال لهم : إنما محمد أذن من حدثه بشيء صدقه فأنزل الله فيه : { ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن } الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : اجتمع ناس من المنافقين فيهم خلاس بن سويد بن صامت ومخشي بن حمير ووديعة بن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبي A فنهى بعضهم بعضا وقالوا : إنا نخاف أن يبلغ محمدا فيقع بكم فقال بعضهم : إنما محمد أذن نحلف له فيصدقنا فنزل : { ومنهم الذين يؤذون النبي } الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { هو أذن } يعني أنه يسمع من كل أحد قال الله تعالى : { أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين } يعني يصدق بالله ويصدق المؤمنين وأخرج الطبراني وابن عساكر وابن مردويه عن عمير بن سعد قال : في أنزلت هذه الآية { ويقولون هو أذن } وذلك أن عمير بن سعد كان يسمع أحاديث أهل المدينة فيأتي النبي A فيساره حتى كانوا يتأذون بعمير بن سعد وكرهوا مجالسته وقال : { هو أذن } فأنزل فيه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال : والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا ولئن كان ما يقول محمد حقا لهم شر من الحمير فسمعها رجل من المسلمين فقال : والله إن ما يقول محمد لحق ولأنت شر من الحمار فسعى بها الرجل إلى نبي الله A فأخبره فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال : ما حملك على الذي قلت ؟ فجعل يلتعن ويحلف بالله ما قال ذلك وجعل الرجل المسلم يقول : اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب فأنزل الله في ذلك : { يحلفون بالله لكم ليرضوكم } الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي مثله وسمى الرجل المسلم عامر بن قيس من الأنصار وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك { ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله } يقول : يعادي الله ورسوله وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : { يحذر المنافقون } الآية قال : يقولون القول فيما بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا هذا وأخرج أبو نعيم في الحلية عن شريح بن عبيد أن رجلا قال لأبي الدرداء : يا معشر القراء ما بالكم أجبن منا وأبخل إذا سئلتم وأعظم لقما إذا أكلتم ؟ فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يرد عليه بشيء فأخبر بذلك عمر بن الخطاب فانطلق عمر إلى الرجل الذي قال ذلك فقال بثوبه وخنقه وقاده إلى النبي A فقال الرجل : إنما كنا نخوض ونلعب فأوحى الله إلى نبيه A { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن عمر قال : قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس : كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله A فبلغ ذلك رسول الله A ونزل القرآن قال عبد الله : فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله A والحجارة تنكبه وهو يقول : يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب والنبي A يقول : { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب في رواية مالك عن ابن عمر فقال : رأيت عبد الله بن أبي وهو يشتد قدام النبي A والأحجار تنكبه وهو يقول : يا محمد إنما كنا نخوض ونلعب والنبي A يقول : { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال : بينما رسول الله A في غزوة إلى تبوك وبين يديه أناس من المنافقين فقالوا : أيرجو هذا الرجل أن تفتح له قصور الشام وحصونها ؟ هيهات هيهات فأطلع الله نبيه على ذلك فقال نبي الله A : [ احبسوا علي هؤلاء الركب ] فأتاهم فقال : قلتم كذا قالوا : يا نبي الله إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله فيهم ما تسمعون وقد روي نحو هذا من طرق عن جماعة من الصحابة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { إن نعف عن طائفة } قال : الطائفة الرجل والنفر