ثم أمره الله سبحانه أن يورد عليهم حجة سادسة فقال : 35 - { قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق } والاستفهام هاهنا كالاستفهامات السابقة والاستدلال بالهداية بعد الاستدلال بالخلق وقع كثيرا في القرآن كقوله : { الذي خلقني فهو يهدين } وقوله : { الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } وقوله : { الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى } وفعل الهداية يجيء متعديا باللام وإلى وهما بمعنى واحد روي ذلك عن الزجاج والمعنى : قل لهم يا محمد هل من شركائكم من يرشد إلى دين الإسلام ويدعو الناس إلى الحق ؟ فإذا قالوا لا فقل لهم : الله يهدي للحق دون غيره ودليل ذلك ما تقدم من الأدلة الدالة على اختصاصه سبحانه بهذا وهداية الله سبحانه لعباده إلى الحق هي بما نصبه لهم من الآيات في المخلوقات وإرساله للرسل وإنزاله للكتب وخلقه لما يتوصل به العباد إلى ذلك من العقول والأفهام والأسماع والأبصار والاستفهام في قوله : { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى } للتقرير وإلزام الحجة .
وقد اختلف القراء في { لا يهدي } فقرأ أهل المدينة إلا نافعا يهدي بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال فجمعوا في قراءتهم هذه بين ساكنين قال النحاس : والجمع بين ساكنين لا يقدر أحد أن ينطق به قال محمد بن يزيد : لا بد لمن رام مثل هذا أن يحرك حركة خفيفة إلى الكسر وسيبويه يسمى هذا اختلاسا وقرأ أبو عمرو وقالون في رواية بين الفتح والإسكان وقرأ ابن عامر وابن كثير وورش وابن محيصن بفتح الياء والهاء وتشديد الدال قال النحاس : هذه القراءة بينة في العربية والأصل فيها يهتدي أدغمت التاء في الدال وقلبت حركتها إلى الهاء وقرأ حفص ويعقوب والأعمش مثل قراءة ابن كثير إلا أنهم كسروا الهاء قالوا لأن الكسر هو الأصل عند التقاء الساكنين وأقر أبو بكر عن عاصم { يهدي } بكسر الياء والهاء وتشديد الدال وذلك للاتباع وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويحيى بن وثاب { يهدي } بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال من هدى يهدي قال النحاس : وهذه القراءة لها وجهان في العربية وإن كانت بعيدة : الأول : أن الكسائي والفراء قالا : إن يهدي بمعنى يهتدي الثاني : أن أبا العباس قال : إن التقدير أم من لا يهدى غيره ثم تم الكلام وقال بعد ذلك : { إلا أن يهدى } أي لكنه يحتاج أن يهدي فهو استثناء منقطع كما تقول فلان لا يسمع غيره إلا أن يسمع : أي لكنه يحتاج أن يسمع والمعنى على القراءات المتقدمة : أفمن يهدي الناس إلى الحق وهو الله سبحانه أحق أن يتبع ويقتدى به أم الأحق بأن يتبع ويقتدى به من لا يهتدي بنفسه إلا أن يهديه غيره فضلا عن أن يهدي غيره ؟ والاستثناء على هذا استثناء مفرغ من أعم الأحوال قوله : { فما لكم كيف تحكمون } هذا تعجيب من حالهم باستفهامين متواليين : أي أي شيء لكم كيف تحكمون باتخاذ هؤلاء شركاء لله وكلا الاستفهامين للتقريع والتوبيخ وكيف في محل نصب بـ تحكمون