وقد اختلف في قوله تعالى : 7 - { وعلى سمعهم } هل هو داخل في حكم الختم فيكون معطوفا على القلوب أو في حكم التغشية فقيل : إن الوقف على قوله : { وعلى سمعهم } تام وما بعده كلام مستقل فيكون الطبع على القلوب والأسماع والغشاوة على الأبصار كما قاله جماعة وقد قرئ : { غشاوة } بالنصب قال ابن جرير : يحتمل أنه نصبها بإضمار فعل تقديره : وجعل على أبصارهم غشاوة ويحتمل أن يكون نصبها على الإتباع على محل وعلى سمعهم كقوله تعالى : { وحور عين } وقول الشاعر : .
( علفتها تبنا وماء باردا ) .
إنما وحد السمع مع جمع القلوب والأبصار لأنه مصدر يقع على القليل والكثير والعذاب : هو ما يؤلم وهو مأخوذ من الحبس والمنع يقال في اللغة أعذبه عن كذا : حبسه ومنعه ومنه عذوبة الماء لأنها حبست في الإناء حتى صفت وقد أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و الطبراني في الكبير و إبن مردويه و البيهقي عن ابن عباس في قوله { سواء عليهم أأنذرتهم } قال : كان رسول الله A يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاوة في الذكر الأول وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا في تفسير الآية : أنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق فكيف يسمعون منك إنذارا وتحذيرا وقد كفروا بما عندهم من علمك { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة } وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : { إن الذين كفروا } قال : نزلت هاتان الآيتان في قادة الأحزاب وهم الذين ذكرهم الله في هذه الآية : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا } .
قال : فهم الذين قتلوا يوم بدر ولم يدخل القادة في الإسلام إلا رجلان : أبو سفيان والحكم بن العاص وأخرج ابن المنذر عن السدي في قوله : { أأنذرتهم أم لم تنذرهم } قال : أوعظتهم أم لم تعظهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في هذه الآية قال : أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الختم على قلوبهم وعلى سمعهم والغشاوة على أبصارهم وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم فلا يعقلون ولا يسمعون وجعل على أبصارهم : يعني أعينهم غشاوة فهم لا يبصرون وروى ذلك السدي عن جماعة من الصحابة وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : الختم على القلب والسمع والغشاوة على البصر قال الله تعالى : { فإن يشإ الله يختم على قلبك } وقال : { وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة } قال ابن جرير في معنى الختم : والحق عندي في ذلك ما صح نظيره عن رسول الله A ثم ذكر إسنادا متصلا بأبي هريرة قال : قال رسول الله A : [ إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كان نكتة سوداء في .
قلبه فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تغلق قلبه ] فذلك الران الذي قال الله : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } وقد رواه من هذا الوجه الترمذي وصححه والنسائي ثم قال ابن جرير فأخبر رسول الله A أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله سبحانه والطبع فلا يكون إليها مسلك ولا للكفر منها مخلص فذلك هو الختم الذي ذكره الله في قوله : { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم } نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها فذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم إلا بعد فض خاتمه وحل رباطه عنها