ولهذا قال لهما 40 - { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها } أي إلا أسماء فارغة سميتموها ولا مسميات لها وإن كنتم تزعمون أن لها مسميات وهي الآلهة التي تعبدونها لكنها لما كانت لا تستحق التسمية بذلك صارت الأسماء كأنها لا مسيمات لها وقيل المعنى : ما تعبدون من دون الله إلا مسميات أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم من تلقاء أنفسكم وليس لها من الإلهية شيء إلا مجرد الأسماء لكونها جمادات لا تسمع ولا تصبر ولا تنفع ولا تضر وإنما قال : { ما تعبدون } على خطاب الجمع وكذلك ما بعده من الضمائر لأنه قصد خطاب صاحبي السجن ومن كان على دينهم ومفعول سميتموها الثاني محذوف : أي سميتموها آلهة من عند أنفسكم { ما أنزل الله بها } أي بتلك التسمية { من سلطان } من حجة تدل على صحتها { إن الحكم إلا لله } أي ما الحكم إلا لله في العبادة فهو الذي خلقكم وخلق هذه الأصنام التي جعلتموها معبودة بدون حجة ولا برهان وجملة { أمر أن لا تعبدوا إلا إياه } مستأنفة والمعنى : أنه أمركم بتخصيصه بالعبادة دون غيره مما تزعمون أنه معبود ثم بين لهم أن عبادته وحده دون غيره هي دين الله الذي لا دين غيره فقال : { ذلك } أي تخصيصه بالعبادة { الدين القيم } أي المستقيم الثابت { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أن ذلك هو دينه القويم وصراطه المستقيم لجهلكم وبعدكم عن الحقائق .
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال : سألت ابن عباس عن قوله : { ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات } فقال : ما سألني عنها أحد قبلك من الآيات قد القميص وأثرها في جسده وأثر السكين وقالت امرأة العزيز : إن أنت لم تسجنه ليصدقنه الناس وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال : من الآيات كلام الصبي وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : الآيات حزهن أيديهن وقد القميص .
وأقول : إن كان المراد بالآيات : الآيات الدالة على براءته فلا يصح عد قطع أيدي النسوة منها لأنه وقع منهن ذلك لما حصل لهن من الدهشة عند ظهوره لهن مع ما ألبسه الله سبحانه من الجمال الذي تنقطع عند مشاهدته عرى الصبر وتضعف عند رؤيته قوى التجلد وإن كان المراد بالآيات الدالة على أنه قد أعطي من الحسن ما يسلب عقول المبصرين ويذهب بإدراك الناظرين فنعم يصح عد قطع الأيدي من جملة الآيات ولكن ليس هذه الآيات هي المرادة هنا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : عوقب يوسف ثلاثة مرات : أما أول مرة فبالحبس لما كان من حمه بها والثانية لقوله : { اذكرني عند ربك } { فلبث في السجن بضع سنين } عوقب بطول الحبس والثالثة حيث قال : { أيتها العير إنكم لسارقون } فاستقبل في وجهه { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما } خازن الملك على طعامه والآخر سياقه على شرابه وأخرج ابن جرير عنه في قوله : { إني أراني أعصر خمرا } قال : عنبا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد { نبئنا بتأويله } قال : عبارته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : { إنا نراك من المحسنين } قال : كان إحسانه فيما ذكر لنا أنه كان يعزي حزينهم ويداوي مريضهم ورأو منه عبادة واجتهادا فأحبوه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن الضحاك قال : كان إحسانه أنه إذا مرض إنسان في السجن قام عليه وإذا ضاق عليه المكان أوسع له وإذا احتاج جمع له وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : دعا يوسف لأهل السجن فقال : اللهم لا تعم عليهم الأخبار وهون عليهم مر الأيام وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريح في قوله : { لا يأتيكما طعام } الآية قال : كره العبارة لهما فأجابهما بغير جوابهما ليريهما أن عنده علما وكان الملك إذا أراد قتل إنسان نع له طعاما معلوما فأرسل به إليه فقال يوسف { لا يأتيكما طعام ترزقانه } إلى قوله : { يشكرون } فلم يدعه صاحبا الرؤيا حتى يعبر لهما فكره العبارة فقال : { يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون } إلى قوله : { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } قال : فلم يدعاه فعبر لهما وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : { ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس } قال : إن المؤمن ليشكر ما به نعمة الله ويشكر ما بالناس من نعم الله ذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول : يا رب شاكر نعمة غير منعم عليه لا يدري ويا رب حامل فقه غير فقيه وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : { أأرباب متفرقون } الآية قال : لما عرف يوسف أن أحدهما مقتول دعاهما إلى حظهما من ربهما وإلى نصيبهما من آخرتهما وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريح في قوله : { ذلك الدين القيم } قال : العدل