لما تجهز أولاد يعقوب للمسير إلى مصر خاف عليهم أبوهم أن تصيبهم العين لكونهم كانوا ذوي جمال ظاهر وثياب حسنة مع كونهم أولاد رجل واحد فنهاهم أن يدخلوا مجتمعين من باب واحد لأن في ذلك مظنة لإصابة الأعين لهم وأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة ولم يكتف بقوله : 67 - { لا تدخلوا من باب واحد } عن قوله : { وادخلوا من أبواب متفرقة } لأنهم لو دخلوا من بابين مثلا كانوا قد امتثلوا النهي عن الدخول من باب واحد ولكنه لما كان في الدخول من بابين مثلا نوع اجتماع يخشى معه أن تصيبهم العين أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة قيل وكانت أبواب مصر أربعة .
وقد أنكر بعض المعتزلة كأبي هاشم والبلخي أن للعين تأثيرا وقالا : لا يمتنع أن صاحب العين إذا شاهد الشيء وأعجب به كانت المصلحة له في تكليفه أن يغير الله ذلك الشيء حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف معلقا به وليس هذا بمستنكر من هذين وأتباعهما فقد صار دفع أدلة الكتاب والسنة بمجرد الاستبعادات العقلية دأبهم وديدنهم وأي مانع من إصابة العين بتقدير الله سبحانه لذلك ؟ وقد وردت الأحاديث الصحيحة بأن العين حق وأصيب بها جماعة في عصر النبوة ومنهم رسول الله A وأعجب من إنكار هؤلاء لما وردت به نصوص هذه الشريعة ما يقع من بعضهم من الإزراء على من يعمل بالدليل المخالف لمجرد الاستبعاد العقلي والتنطع في العبارات كالزمخشري في تفسيره فإنه في كثير من المواطن لا يقف على دفع دليل الشرع بالاستبعاد الذي يدعيه على العقل حتى يضم إلى ذلك الوقاحة في العبارة على وجه يوقع المقصرين في الأقوال الباطلة والمذاهب الزائفة وبالجملة فقول هؤلاء مدفوع بالأدلة المتكاثرة وإجماع من يعتد به من هذه الأمة سلفا وخلفا وبما هو مشاهد في الوجود فكم من شخص من هذا النوع الإنساني وغيره من أنواع الحيوان هلك بهذا السبب .
وقد اختلف العلماء فيمن عرف بالإصابة بالعين فقال قوم يمنع من الاتصال بالناس دفعا لضروره بحبس أو غيره من لزوم بيته وقيل ينفى وأبعد من قال إنه يقتل إلا إذا كان يتعمد ذلك وتتوقف إصابته على اختياره وقصده ولم ينجز عن ذلك فإنه إذا قتل كان له حكم القاتل ثم قال يعقوب لأولاده { وما أغني عنكم من الله من شيء } أي لا أدفع عنكم ضررا ولا أجلب إليكم نفعا بتدبيري هذا بل ما قضاه الله عليكم فهو واقع لا محالة قال الزجاج وابن الأنباري : لو سيق في علم الله أن العين تهلكهم مع الاجتماع لكان تفرقهم كاجتماعهم وقال آخرون : ما كان يغني عنهم يعقوب شيئا قط حيث أصابهم ما أصابهم مع تفرقهم من إضافة السرقة إليهم ثم صرح يعقوب بأنه لا حكيم إلا الله سبحانه فقال : { إن الحكم إلا لله } لا لغيره ولا يشاركه فيه مشارك في ك { عليه توكلت } في كل إيراد وإصدار لا على غيره : أي اعتمدت ووثقت { وعليه } لا على غيره { فليتوكل المتوكلون } على العموم