ثم ذكر نوعا آخر من جهلهم وحمقهم فقال : { ويجعلون لله ما يكرهون } أي ينسبون إليه سبحانه ما يكرهون نسبته إلى أنفسهم من البنات وهو تكرير لما قد تقدم لقصد التأكيد والتقرير ولزيادة التوبيخ والتقريع { وتصف ألسنتهم الكذب } هذا من النوع الآخر الذي ذكره سبحانه من قبائحهم وهو : أي هذا الذي تصفه ألسنتهم من الكذب هو قولهم : { أن لهم الحسنى } أي الخصلة الحسنى أو العاقبة الحسنى قال الزجاج : يصفون أن لهم مع قبح قولهم من الله الجزاء الحسن قال الزجاج أيضا والفراء : أبدل من قوله وتصف ألسنتهم الكذب قوله أن لهم الحسنى والكذب منصوب على أنه مفعول تصف وقرأ ابن عباس وأبو العالية ومجاهد وابن محيصن الكذب برفع الكاف والذال والباء على أنه صفة للألسن وهو جمع كذب فيكون المفعول على هذا هو أن لهم الحسنى ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله : { لا جرم أن لهم النار } أي حقا أن لهم مكان ما جعلوه لأنفسهم من الحسنى النار وقد تقدم تحقيق هذا { وأنهم مفرطون } قال ابن الأعرابي وأبو عبيدة : أي متروكون منسيون في النار وبه قال الكسائي والفراء فيكون مشتقا من أفرطت فلانا خلفي : إذا خلفته ونسيته وقال قتادة والحسن : معجلون إليها مقدمون في دخولها من أفرطته : أي قدمته في طلب الماء والفارط هو الذي يتقدم إلى الماء والفراط المتقدمون في طلب الماء والوراد المتأخرون ومنه قوله A : [ أنا فرطكم على الحوض ] أي متقدمكم قال القطامي : .
( فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا ... كما تعجل فراط لوراد ) .
وقرأ نافع في رواية ورش { مفرطون } بكسر الراء وتخفيفها وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس ومعناه : مسرفون في الذنوب والمعاصي يقال أفرط فلان على فلان : إذا أربى عليه وقال له أكثر مما قال من الشر وقرأ أبو جعفر القاري { مفرطون } بكسر الراء وتشديدها : أي مضيعون أمر الله فهو من التفريط في الواجب وقرأ الباقون { مفرطون } بفتح الراء مخففا ومعناه : مقدمون إلى النار .
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { وله الدين واصبا } قال : الدين الإخلاص وواصبا دائما وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح { وله الدين واصبا } قال : لا إله إلا الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { واصبا } قال : دائما وأخرج الفريابي وابن جرير عنه قال واجبا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { تجأرون } قال : تتضرعون دعاء وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : تصيحون بالدعاء وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : { فتمتعوا فسوف تعلمون } قال : وعيد وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : { ويجعلون لما لا يعلمون } الآية قال : يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه يضرهم ولا ينفعهم { نصيبا مما رزقناهم } وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هم مشركو العرب جعلوا لأوثانهم وشياطينهم مما رزقهم الله وجزأوا من أموالهم جزءا فجعلوه لأوثانهم وشياطينهم وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : هو قولهم هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { ويجعلون لله البنات } الآية يقول : يجعلون لي البنات يرتضونهن لي ولا يرتضونهن لأنفسهم وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمسكها على هوان أو دسها في التراب وهي حية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك { ولهم ما يشتهون } قال : يعني به البنين وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج { أم يدسه في التراب } قال : يئد ابنته وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ألا ساء ما يحكمون } قال : بئس ما حكموا يقول : شيء لا يرضونه لأنفسهم فكيف يرضونه لي وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { ولله المثل الأعلى } قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس { ولله المثل الأعلى } قال : يقول ليس كمثله شيء وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { ما ترك عليها من دابة } قال : ما سقاهم المطر وأخرج أيضا عن السدي نحوه وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : قد فعل ذلك في زمن نوح أهلك الله ما على ظهر الأرض من دابة إلا ما حمل في سفينته وأخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود قال : ذنوب ابن آدم قتلت الجعل في جحره ثم قال : أي والله زمن غرق قوم نوح وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عنه قال : كاد الجعل أن يعذب في جحره بذنب ابن آدم ثم قرأ { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة } وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا عن أنس نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة أنه سمع رجلا يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه قال أبو هريرة : بلى والله إن الحباري لتموت هزالا في وكرها من ظلم الظالم وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك { ويجعلون لله ما يكرهون } قال : يجعلون لي البنات ويكرهون ذلك لأنفسهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى } قال : قول كفار قريش لنا البنون وله البنات وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { وأنهم مفرطون } قال : منسبون وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال : معجلون وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن نحوه