ثم لما بين سبحانه خلق الإنسان وتقلبه في أطوار العمر ذكر طرفا من أحواله لعله يتذكر عند ذلك فقال : 71 - { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } فجعلكم متفاوتين فيه فوسع على بعض عباده حتى جعل له من الرزق ما يكفي ألوفا مؤلفة من بني آدم وضيقه على بعض عباده حتى صار لا يجد القوت إلا بسؤال الناس والتكفف لهم وذلك لحكمة بالغة تقصر عقول العباد عن تعقلها والاطلاع على حقيقة أسبابها وكما جعل التفاوت بين عباده في المال جعله بينهم في العقل والعلم والفهم وقوة البدن وضعفه والحسن والقبح والصحة والسقم وغير ذلك من الأحوال وقيل معنى الآية : أن الله سبحانه أعطى الموالي أفضل مما أعطى مماليكهم بدليل قوله : { فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم } أي فما الذين فضلهم الله بسعة الرزق على غيرهم برادي رزقهم الذي رزقهم الله إياه على ما ملكت أيمانهم من المماليك { فهم } أي المالكون والمماليك { فيه } أي في الرزق { سواء } أي لا يردونه عليهم بحيث يساوونهم فالفاء على هذا للدلالة على أن التساوي مترتب على التراد : أي لا يردونه عليهم ردا مستتبعا للتساوي وإنما يردون عليهم منه شيئا يسيرا وهذا مثل ضربه الله سبحانه بعبدة الأصنام : أي إذا لم يكونوا عبيدكم معكم سواء ولا ترضون بذلك فكيف تجعلون عبيدي معي سواء والحال أن عبيدكم مساوون لكم في البشرية والمخلوقية فلما لم تجعلوا عبيدكم مشاركين لكم في أموالكم فكيف تجعلون بعض عباد الله سبحانه شركاء له فتعبدونهم معه أو كيف تجعلون بعض مخلوقاته كالأصنام شركاء له في العبادة ذكر معنى هذا ابن جرير ومثل هذه الآية قوله سبحانه : { ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم } وقيل إن الفاء في { فهم فيه سواء } بمعنى حتى { أفبنعمة الله يجحدون } حيث تفعلون ما تفعلون من الشرك والنعمة هي كونه سبحانه جعل المالكين مفضلين على المماليك وقد قرئ { يجحدون } بالتحتية والفوقية قال أبو عبيدة وأبو حاتم : وقراءة الغيبة أولى لقرب المخبر عنه ولأنه لو كان خطابا لكان ظاهره للمسلمين والاستفهام للإنكار والفاء للعطف على مقدر : أي يشركون به فيجحدون نعمته ويكون المعنى على قراءة الخطاب أن المالكين ليسوا برادي رزقهم على مماليكهم بل أنا الذي أرزقهم وإياهم فلا يظنوا أنهم يعطونهم شيئا وإنما هو رزقي أجريه على أيديهم وهم جميعا في ذلك سواء لا مزية لهم على مماليكهم فيكون المعطوف عليه المقدر فعلا يناسب هذا المعنى كأن يقال : لا يفهمون ذلك فيجحدون نعمة الله