16 - { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا } اختلف المفسرون في معنى أمرنا على قولين : الأول أن المراد به الأمر الذي هو نقيض النهي وعلى هذا اختلفوا في المأمور به فالأكثر على أنه الطاعة والخير وقال في الكشاف : معناه أمرناهم بالفسق ففسقوا وأطال الكلام في تقرير هذا وتبعه المقتدرون به في التفسير وما ذكره هو من تابعه معارض بمثل قول القائل أمرته فعصاني فإن كل من يعرف اللغة العربية يفهم من هذا أن المأمور به شيء غير المعصية لأن المعصية منافية للأمر مناقضة له فكذلك أمرته ففسق يدل على أن المأمور به شيء غير الفسق لأن الفسق عبارة عن الإتيان بضد المأمور به فكونه فسقا ينافي كونه مأمورا به ويناقضه القول الثاني أن معنى { أمرنا مترفيها } أكثرنا فساقها قال الواحدي : تقول العرب أمر القوم إذا كثروا وأمرهم الله إذا أكثرهم وقد قرأ أبو عثمان النهدي وأبو رجاء وأبو العالية والربيع ومجاهد والحسن أمرنا بتشديد الميم : أي جعلناهم أمراء مسلطين وقرأ الحسن أيضا وقتادة وأبو حيوة الشامي ويعقوب وخارجة عن نافع وحماد بن سلمة عن ابن كثير وعلي وابن عباس أمرنا بالمد والتخفيف : أي أكثرنا جبارتها وأمراءها قاله الكسائي وقال أبو عبيدة : آمرته بالمد وأمرته لغتان بمعنى كثرته ومنه الحديث خير المال مهرة مأمورة أي كثيرة النتاج والنسل وكذا قال ابن عزيز وقرأ الحسن أيضا ويحيى بن يعمر أمرنا بالقصر وكسر الميم على معنى فعلنا ورويت هذه القراءة عن ابن عباس قال قتادة والحسن : المعنى أكثرنا وحكى نحوه أبو زيد وأبو عبيد وأنكره الكسائي وقال : لا يقال من الكثرة إلا آمرنا بالمد قال في الصحاح : وقال أبو الحسن أمر ماله بالكسر : أي كثر وأمر القوم : أي كثروا ومنه قول لبيد : .
( إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ... يوما يكن للهلاك والفند ) .
وقرأ الجمهور { أمرنا } من الأمر ومعناه ما قدمنا في القول الأول ومعنى { مترفيها } المنعمون الذين قد أبطرتهم النعمة وسعة العيش والمفسرون يقولون في تفسير المترفين : إنهم الجبارون المتسلطون والملوك الجائرون قال : وإنما خصوا بالذكر لأن من عداهم أتباع لهم ومعنى فسقوا فيها : خرجوا عن الطاعة وتمردوا في كفرهم لأن الفسوق الخروج إلى ما هو أفحش { فحق عليها القول } أي ثبت وتحقق عليهم العذاب بعد ظهور فسقهم { فدمرناها تدميرا } أي تدميرا عظيما لا يوقف على كنهه لشدته وعظم موقعه وقد قيل في تأويل أمرنا بأنه مجاز عن الأمر الحامل لهم على الفسق وهو إدرار النعم عليهم وقيل أيضا إن المراد بأردنا أن نهلك قرية أنه قرب إهلاك قرية وهو عدول عن الظاهر بدون ملجئ إليه