ثم ذكر سبحانه أن هذه عادته الجارية مع القرون الخالية فقال 17 - { وكم أهلكنا من القرون } أي كثيرا ما أهلكنا منهم فكم مفعول أهلكنا ومن القرون بيان لكم وتمييز له : أي كم من قوم كفروا من بعد نوح كعاد وثمود فحل بهم البوار ونزل بهم سوط العذاب وفيه تخويف لكفار مكة ثم بخاطب رسوله بما هو ردع للناس كافة فقال : { وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا } قال الفراء : إنما يجوز إدخال الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه أو يذم به كقولك كفاك وأكرم به رجلا وطاب بطعامك طعاما ولا يقال قام بأخيك وأنت تريد قام أخوك في الآية بشارة عظيمة لأهل الطاعة وتخويف شديد لأه لامعصية لأن العلم التام والخبرة الكاملة والبصيرة النافذة تقتضي إيصال الجزاء إلى مستحقه بحسب استحقاقه ولا ينافيه مزيد التفضل على من هو أهل لذلك والمراد بكونه سبحانه خبيرا بصيرا أنه محيط بحقائق الأشياء ظاهرا وباطنا لا تخفى عليه منها خافية .
وقد أخرج البيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر عن سعيد المقبري [ أن عبد الله بن سلام سأل النبي A عن السواد الذي في القمر فقال : كانا شمسين قال الله : { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل } فالسواد الذي رأيت هو المحو ] وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي A معنى هذا بأطول منه قال السيوطي : وإسناده واه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن علي في قوله : { فمحونا آية الليل } قال : هو السواد الذي في القمر وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { وجعلنا آية النهار مبصرة } قال : منيرة { لتبتغوا فضلا من ربكم } قال : جعل لكم سبحا طويلا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { فصلناه } قال : بيناه وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير بسند حسن عن جابر سمعت رسول الله A يقول : [ طائر كل إنسان في عنقه ] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { ألزمناه طائره في عنقه } قال : سعادته وشقاوته وما قدر الله له وعليه فهو لازمه أين كان وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس في قوله : { طائره } قال : كتابه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : عمله { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا } قال : هو عمله الذي أحصي عليه فأخرج له يوم القيامة ما كتب له من العمل فقرأه منشورا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { اقرأ كتابك } قال سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا وأخرج ابن عبد البر في التمهيد عن عائشة في قوله : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } قال : سألت خديجة عن أولاد المشركين فقال : هم من آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فقال : هم على الفطرة أو قال في الجنة قال السيوطي : وسنده ضعيف وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما [ أن النبي A سئل فقيل له : يا رسول الله إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين قال : هم منهم ] وفي ذلك أحاديث كثيرة وبحث طويل وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية غالب الأحاديث الواردة في أطفال المشركين ثم نقل كلام أهل العلم في المسألة فليرجع إليه وأخرج إسحاق بن راهويه وأحمد وابن حبان وأبو نعيم في المعرفة والطبراني وابن مردويه والبيهقي في كتاب الاعتقاد عن الأسود بن سريع أن النبي A قال : [ أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في الفترة ثم قال : فيأخذ الله مواثيقهم ليطيعنه ويرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار قال : فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها ] وإسناده عند أحمد هكذا حدثنا علي بن عبد الله حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن أبي قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع وأخرج نحوه إسحاق ين راهويه وأحمد وابن مردويه عن أبي هريرة وهو عند أحمد بالإسناد المذكور عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة وأخرج قاسم بن أصبغ والبزار وأبو يعلى وابن عبد البر في التمهيد عن أنس قال : قال رسول الله A فذكر نحوه وجعل مكان الأحمق المعتوه وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل عن رسول الله A قال : [ يؤتى يوم القيامة بالمسموح عقلا وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيرا ] فذكر معناه مطولا وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريح عن ابن عباس في قوله : { أمرنا مترفيها } قال : بطاعة الله فعصوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب قال : سمعت ابن عباس يقول في الآية { أمرنا مترفيها } بحق فخالفوه فحق عليهم بذلك التدمير وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عنه في الآية قال : سلطنا شرارنا فصوا فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب وهو كقوله : { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها } وأخرج البخاري وابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية قد أمر بنو فلان