70 - { ولقد كرمنا بني آدم } هذا إجمال لذكر النعمة التي أنعم الله بها على بني آدم : أي كرمناهم جميعا وهذه الكرامة يدخل تحتها خلقهم على هذه الهيئة الحسنة وتخصيصهم بما خصهم به من المطاعم والمشارب والملابس على وجه لا يوجد لسائر أنواع الحيوان مثله وحكى ابن جرير عن جماعة أن هذا التكريم هو أنهم يأكلون بأيديهم وسائر الحيوانات تأكل بالفم وكذا حكاه النحاس وقيل ميزهم بالنطق والعقل والتمييز وقيل أكرم الرجال باللحى والنساء بالذوائب وقال ابن جرير : أكرمهم بتسليطهم على سائر الخلق وتسخير سائر الخلق لهم وقيل بالكلام والخط والفهم ولا مانع من حمل التكريم المذكور في الآية على جميع هذه الأشياء وأعظم خصال التكريم العقل فإن به تسلطوا على سائر الحيوانات وميزوا بين الحسن والقبيح وتوسعوا في المطاعم والمشارب وكسبوا الأموال التي تسببوا بها إلى تحصيل أمور لا يقدر عليها الحيوان وبه قدروا على تحصيل الأبنية التي تمنعهم مما يخافون وعلى تحصيل الأكسية التي تقبهم الحر والبرد وقيل تكريمهم : هو أن جعل محمدا A منهم { وحملناهم في البر والبحر } هذا تخصيص لبعض أنواع التكريم حملهم سبحانه في البر على الدواب وفي البحر على السفن وقيل حملناهم فيهما حيث لم نخسف بهم ولم نغرقهم { ورزقناهم من الطيبات } أي لذيذ المطاعم والمشارب وسائر ما يستلذونه وينتفعون به { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } أجمل سبحانه هذا الكثير ولم يبين أنواعه فأفاد ذلك أن بني آدم فضلهم سبحانه على كثير من مخلوقاته وقد جعل بعض أهل العلم الكثير هنا بمعنى الجميع وهو تعسف لا حاجة إليه .
وقد شغل كثير من أهل العلم بما لم تكن إليه حاجة ولا تتعلق به فائدة وهو مسألة تفضيل الملائكة على الأنبياء أو الأنبياء على الملائكة ومن جملة ما تمسك به مفضلو الأنبياء على الملائكة هذه الآية ولا دلالة لها على المطلوب لما عرفت من إجمال الكثير وعدم تبيينه والتعصب في هذه المسألة هو الذي حمل بعض الأشاعرة على تفسير الكثير هنا بالجميع حتى يتم له التفضيل على الملائكة وتمسك بعض المعتزلة بهذه الآية على تفضيل الملائكة على الأنبياء ولا دلالة بها على ذلك فإنه لم يقم دليل على أن الملائكة من القليل الخارج عن هذا الكثير ولو سلمنا ذلك فليس فيما خرج عن هذا الكثير ما يفيد أنه أفضل من بني آدم بل غاية ما فيه أنه لم يكن الإنسان مفضلا عليه فيحتمل أن يكون مساويا للإنسان ويحتمل أن يكون أفضل منه ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال والتأكيد بقوله : { تفضيلا } يدل على عظم هذا التفضيل وأنه بمكان مكين فعلى بني آدم أن يتلقوه بالشكر ويحذروا من كفرانه .
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { يزجي } قال : يجري وأخرجوا عن قتادة قال : يسيرها في البحر وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { حاصبا } قال : مطر الحجارة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال : حجارة من السماء وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { قاصفا من الريح } قال : التي تغرق وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن عبد الله بن عمرو قال : القاصف والعاصف في البحر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { قاصفا } قال : عاصفا وفي قوله : { ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا } قال : نصيرا وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب والخطيب في تاريخه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله A : [ ما من شيء أكرم على الله يوم القيامة من ابن آدم قيل : يا رسول الله ولا الملائكة ؟ قال : ولا الملائكة الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر ] وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عمرو موقوفا قال : وهو الصحيح وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : المؤمن أكرم على الله من ملائكته وأخرج الطبراني عن ابن عمرو عن النبي A قال : [ إن الملائكة قالت يا رب أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة قال : لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان ] وأخرجه عبد الرزاق وابن جرير عن زيد بن أسلم قال : قالت الملائكة وإسناد الطبراني هكذا : حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي حدثنا حجاج ابن محمد حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف بن سليم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو عن النبي A فذكره وأخرج ابن عساكر من طريق عروة بن رويم قال : حدثني أنس بن مالك عن رسول الله A فذكر نحو حديث ابن عمرو الأول مع زيادة وأخرج نحوه البيهقي أيضا في الأسماء والصفات من وجه آخر عن عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله A فذكره وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس في قوله : { ولقد كرمنا بني آدم } قال : جعلناهم يأكلون بأيديهم وسائر الخلق يأكلون بأفواههم وأخرج الحاكم في التاريخ والديلمي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله A : [ الكرامة الأكل بالأصابع ]