قال : 70 - { فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء } مما تشاهده من أفعالي المخالفة لما يقتضيه ظاهر الشرع الذي بعثك الله به { حتى أحدث لك منه ذكرا } أي حتى أكون أنا المبتدئ لك بذكره وبيان وجهه وما يؤول إليه وهذه الجمل المعنونة بقال وقال مستأنفة لأنها جوابات عن سؤالات مقدرة كل واحدة ينشأ السؤال عنها مما قبلها .
وقد أخرج الدارقطني في الإفراد وابن عساكر من طريق مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس قال : الخضر ابن آدم لصلبه ونسئ له في أجله حتى يكذب الدجال وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة عن النبي A قال : [ إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء ] وأخرجه ابن عساكر من حديث ابن عباس وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن مجاهد إنما سمي الخضر لأنه إذا صلى اخضر ما حوله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين } قال : حتى أنتهي وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { مجمع البحرين } قال : بحر فارس والروم وهما نحو المشرق والمغرب وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس مثله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال : { مجمع البحرين } إفريقية وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال طنجة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { أو أمضي حقبا } قال : سبعين خريفا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال : دهرا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { نسيا حوتهما } قال : كان مملوحا مشقوق البطن وأخرج ابن المنذر عنه في قوله : { فاتخذ سبيله في البحر سربا } قال : أثره يابس في البحر كأنه في حجر وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { فارتدا على آثارهما قصصا } قال : عودهما على بدئهما وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { آتيناه رحمة من عندنا } قال : أعطيناه الهدى والنبوة .
واعلم أنها قد رويت في قصة الخضر مع موسى المذكورة في الكتاب العزيز أحاديث كثيرة وأتمها وأكملها ما روي عن ابن عباس ولكنها اختلفت في بعض الألفاظ وكلها مروية من طريق سعيد بن جبير عنه وبعضها في الصحيحين وغيرهما وبعضها في أحدهما وبعضها خارج عنهما وقد رويت من طريق العوفي عنه كما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم ومن طريق هارون بن عنترة عن أبيه عنه عند ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخطيب وابن عساكر فلنقتصر على الرواية التي هي أتم الروايات الثابتة في الصحيحين ففي ذلك ما يغني عن غيره وهي : قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل قال ابن عباس : كذب عدو الله حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله A يقول : [ إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم ؟ فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه { آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا } قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى : { ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا } ] قال سفيان : يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة لا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش قال : وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش قال : [ فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام ؟ قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل ؟ قال نعم قال أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا يا موسى إني على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من الله علمك الله لا أعلمه قال موسى : ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا فقال له الخضر { فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا } فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى : قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ؟ قال : ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرا قال : لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا قال : وقال رسول الله A : فكانت الأولى من موسى نسيانا قال : وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر : ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور الذي وقع على حرف السفينة من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله فقال موسى { أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا * قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا } قال : وهذه أشد من الأولى { قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا * فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه } قال مائل فقال الخضر بيده هكذا فأقامه فـ { قال } موسى قوم آتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا { لو شئت لاتخذت عليه أجرا * قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا } فقال رسول الله A : وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما ] قال سعيد بن جبير : وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وكان يقرأ : وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين وبقية روايات سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب هي موافقة لهذه الرواية في المعنى وإن تفاوتت الألفاظ في بعضها فلا فائدة في الإطالة بذكرها وكذلك روايات غير سعيد عنه