لما أجاب سبحانه عن سؤالين من سؤالات اليهود وانتهى الكلام إلى حيث انتهى شرع سبحانه في السؤال الثالث والجواب عنه فالمراد بالسائلين هنا هم اليهود .
واختلفوا في ذي القرنين اختلافا كثيرا فقيل هو الاسكندر بن فيلقوس الذي ملك الدنيا بأسرها اليوناني باني الإسكندرية وقال ابن إسحاق : هو رجل من أهل مصر اسمه مرزبان بن مرزبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح وقيل هو ملك اسمه هرمس وقيل ملك اسمه هرديس وقيل شاب من الروم وقيل كان نبيا وقيل كان عبدا صالحا وقيل اسمه عبد الله بن الضحاك وقيل مصعب بن عبد الله من أولاد كهلان بن سبأ وحكى القرطبي عن السهيلي أنه قال : إن الظاهر من علم الأخبار أنهما إثنان : أحدهما كان على عهد إبراهيم عليه السلام والآخر كان قريبا من عيسى عليه السلام وقيل هو أبو كرب الحميري وقيل هو ملك من الملائكة ورجح الرازي القول الأول قال : لأن من بلغ ملكه من السعة والقوة إلى الغاية التي نطق بها التنزيل إنما هو الإسكندر اليوناني كما تشهد به كتب التاريخ قال : فوجب القطع بأن ذا القرنين هو الإسكندر قال : وفيه إشكال لأنه كان تلميذا لأرسطاطاليس الحكيم وكان على مذهبه فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل إليه قال النيسابوري : قلت ليس كل ما ذهب إليه الفلاسفة باطلا فلعله أخذ منهم ما صفا وترك ما كدر والله أعلم ورجح ابن كثير ما ذكره السهيلي أنهما إثنان كما قدمنا ذلك وبين أن الأول طاف بالبيت مع إبراهيم أول ما بناه وآمن به واتبعه وكان وزيره الخضر وأما الثاني فهو الإسكندر المقدوني اليوناني وكان وزيره الفيلسوف المشهور أرسطاطاليس وكان قبل المسيح بنحو من ثلثمائة سنة فأما الأول المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل هذا معنى ما ذكره ابن كثير في تفسيره راويا له عن الأزرقي وغيره ثم قال : وقد ذكرنا طرفا صالحا في أخباره في كتاب البداية والنهاية بما فيه كفاية وحكى أبو السعود في تفسيره عن ابن كثير أنه قال : وإنما بينا هذا : يعني أنهما إثنان لأن كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد وأن المذكور في القرآن العظيم هو هذا المتأخر فيقع بذلك خطأ كبير وفساد كثير كيف لا والأول كان عبدا صالحا مؤمنا وملكا عادلا ووزيره الخضر وقد قيل إنه كان نبيا وأما الثاني فقد كان كافرا ووزيره أرسطاطاليس الفيلسوف وكان ما بينهما من الزمان أكثر من ألفي سنة فأين هذا من ذاك ؟ انتهى قلت : لعله ذكر هذا في الكتاب الذي ذكره سابقا وسماه بالبداية والنهاية ولم يقف عليه والذي يستفاد من كتب التاريخ هو أنهما إثنان كما ذكره السهيلي والأزرقي وابن كثير وغيرهم لا كما ذكره الرازي وادعى أنه الذي تشهد به كتب التواريخ وقد وقع الخلاف هل هو نبي أم لا ؟ وسيأتي ما يستفاد منه المطلوب آخر هذا البحث إن شاء الله .
وأما السبب الذي لأجله سمي ذا القرنين فقال الزجاج والأزهري : إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرن الشمس من مطلعها وقرن الشمس من مغربها وقيل إنه كان له ضفيرتان من شعر والضفائر تسمى قرونا ومنه قول الشاعر : .
( فلثمت فاها آخذا بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج ) .
والحشرج ماء من مياه العرب وقيل إنه رأى في أول ملكه كأنه قابض على قرني الشمس فسمي بذلك وقيل كان له قرنان تحت عمامته وقيل إنه دعا إلى الله فشجه قومه على قرنه ثم دعا إلى الله فشجوه على قرنه الآخر ويقل إنما سمي بذلك لأنه كريم الطرفين من أهل بيت شرف من قبل أبيه وأمه وقيل لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس وهو حي وقيل لأنه كان إذا قاتل قاتل بيديه وركابيه جميعا وقيل لأنه أعطي علم الظاهر والباطن وقيل لأنه دخل النور والظلمة وقيل لأنه ملك فارس والروم وقيل لأنه ملك الروم والترك وقيل لأنه كان لتاجه قرنان قوله : { قل سأتلو عليكم منه ذكرا } أي سأتلو عليكم أيها السائلون من ذي القرنين خبرا وذلك بطريق الوحي المتلو