واللغو : مصدر لغا يلغو لغوا ولغى يلغي لغيا : إذا أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام أو بما لا خير فيه وهو الساقط الذي لا يعتد به فاللغو من اليمين : هو الساقط الذي لا يعتد به ومنه اللغو في الدية وهو الساقط الذي لا يعتد به من أولاد الإبل قال جرير : .
( ويذهب بينها المري لغوا كما ... ألغيت في الدية الحوارا ) .
وقال آخر : .
( ورب أسراب حجيج كظم ... عن اللغا ورفث التكلم ) .
أي لا يتكلمن بالساقط والرفث ومعنى الآية : لا يعاقبكم الله بالساقط من أيمانكم ولكن يعاقبكم بما كسبت قلوبكم : أي اقترفته بالقصد إليه : وهي اليمين المعقودة ومثله قوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } ومثله قول الشاعر : .
( ولست بمأخوذ بلغو يقوله ... إذا لم تعمد عاقدات العزائم ) .
وقد اختلف أهل العلم في تفسير اللغو فذهب ابن عباس وعائشة وجمهور العلماء أيضا : أنه قول الرجل لا والله وبلى والله في حديثه وكلامه غير معتقد لليمين ولا مريد لها قال المروزي : هذا معنى لغو اليمين الذي اتفق عليه عامة العلماء وقال أبو هريرة وجماعة من السلف : هو أن يحلف الرجل على الشيء لا يظن إلا أنه إياه فإذا ليس هو ما ظنه وإلى هذا ذهبت الحنفية والزيدية وبه قال مالك في الموطأ وروي عن ابن عباس أنه قال : لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان وبه قال طاوس ومكحول وروي عن مالك وقيل : إن اللغو هو يمين المعصية قاله سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد الله بن الزبير وأخوه عروة كالذي يقسم ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم وقيل : لغو اليمين : هو دعاء الرجل على نفسه كأن يقول : أعمى الله بصره أذهب الله ماله هو يهودي وهو مشرك قاله زيد بن أسلم وقال مجاهد : لغو اليمين أن يتبايع الرجلان فيقول أحدهما : والله لا أبايعك بكذا ويقول الآخر : والله لا أشتريه بكذا وقال الضحاك : لغو اليمين هي المكفرة : أي إذا كفرت سقطت وصارت لغوا والراجح القول الأول لمطابقته للمعنى اللغوي ولدلالة الأدلة عليه كما سيأتي وقوله : 225 - { والله غفور حليم } أي حيث لم يؤاخذكم بما تقولونه بألسنتكم من دون عمد وقصد وآخذكم بما تعمدته قلوبكم وتكلمت به ألسنتكم وتلك هي اليمين المعقودة المقصودة .
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } يقول : لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه : هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته أو لا يتصدق ويكون بين رجلين مغاضبة فيحلف لا يصلح بينهما ويقول : قد حلفت قال : يكفر عن يمينه وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : جاء رجل إلى عائشة فقال : إني نذرت إن كلمت فلانا فإن كل مملوك لي عتيق وكل مال لي ستر للبيت فقالت : لا تجعل مملوكيك عتقاء ولا تجعل مالك سترا للبيت فإن الله يقول : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } فكفر عن يمينك وقد ورد أن هذه الآية نزلت في أبي بكر في شأن مسطح رواه ابن جرير عن ابن جريج والقصة مشهورة وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن النبي A قال : [ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ] وثبت أيضا في الصحيحين وغيرهما أن النبي A قال : [ والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ] وأخرج ابن ماجه وابن جرير عن عائشة قالت : قال رسول الله A : [ من حلف على يمين قطيعة رحم أو معصية فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه ] وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله A : [ لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة رحم ] وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن عمر مرفوعا مثله وأخرج النسائي وابن ماجه عن مالك الجشمي قال : قلت يا رسول الله : يأتيني ابن عمي فأحلف أن لا أعطيه ولا أصله فقال : كفر عن يمينك وأخرج مالك في الموطأ وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وغيرهم عن عائشة قالت : أنزلت هذه الآية : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } في قول الرجل : لا والله وبلى والله وكلا والله وأخرج أبو داود وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن اللغو في اليمين فقال : قالت عائشة : إن رسول الله A قال : [ هو كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله ] وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عائشة أنها قالت في تفسيره الآية : إن اللغو هو القوم يتدارون في الأمر يقول هذا لا والله ويقول هذا كلا والله يتدارون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عائشة أنها قالت : هو اللغو في المزاحة والهزل وهو قول الرجل لا والله وبلى والله فذاك لا كفارة فيه وإنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : [ مر رسول الله A بقوم ينتضلون ومع النبي A رجل من أصحابه فرمى رجل من القوم فقال : أصبت والله وأخطأت والله فقال الذي مع النبي A : حنث الرجل يا رسول الله فقال : كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة ] وقد روى أبو الشيخ عن عائشة وابن عباس وابن عمر وابن عمرو أن اللغو لا والله وبلى والله أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس أنه قال : لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فإذا هو غير ذلك وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن عائشة نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس : أنها أن يحلف الرجل على تحريم ما أحل الله له وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : هو الرجل يحلف على المعصية وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن النخعي : هو أن يحلف الرجل على الشيء ثم ينسى وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { والله غفور } يعني إذ تجاوز عن اليمين التي حلف عليها { حليم } إذ لم يجعل فيها الكفارة