المحافظة على الشيء : المداومة والمواظبة عليه والوسطى : تأنيث الأوسط وأوسط الشيء ووسطه : خياره ومنه قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } ومنه قول بعض العرب : يمدح النبي A : .
( يا أوسط الناس طرأ في مفاخرهم ... وأكرم الناس أما برة وأبا ) .
ووسط فلان القوم يسطهم : أي صار في وسطهم : وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر بعد دخولها في عموم الصلوات تشريفا لها وقرأ أبو جعفر 238 - { والصلاة الوسطى } بالنصب على الإغراء وكذلك قرأ الحلواني وقرأ قالون عن نافع الوصطى بالصاد لمجاورة الطاء وهما لغتان : كالسراط والصراط وقد اختلف أهل العلم في تعيينها على ثمانية عشر قولا أوردتها في شرحي للمنتقى وذكرت ما تمسكت به كل طائفة وأرجح الأقوال وأصحها ما ذهب إليه الجمهور من أنها العصر لما ثبت عند البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم من حديث علي قال : [ كنا نراها الفجر حتى سمعت رسول الله A يقول يوم الأحزاب : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا ] وأخرج مسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث ابن مسعود مرفوعا مثله وأخرجه أيضا ابن جرير وابن المنذر والطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا وأخرجه البزار بإسناد صحيح من حديث جابر مرفوعا وأخرجه أيضا البزار بإسناد صحيح من حديث حذيفة مرفوعا وأخرجه الطبراني بإسناد ضعيف من حديث أم سلمة مرفوعا وورد في تعيين أنها العصر من غير ذكر يوم الأحزاب أحاديث مرفوعة إلى النبي A : منها عن ابن عمر عند ابن منده ومنها عن سمرة عند أحمد وابن جرير والطبراني ومنها عنه أيضا عند ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه ابن جرير والطبراني والبيهقي وعن أبي هريرة عند ابن جرير والبيهقي والطحاوي وأخرجه عنه أيضا ابن سعيد والبزار وابن جرير والطبراني وعن ابن عباس عند البزار بأسانيد صحيحة وعن أبي مالك الأشعري عند ابن جرير والطبراني فهذه أحاديث مرفوعة إلى النبي A مصرحة بأنها العصر وقد روي عن الصحابة في تعيين أنها العصر آثار كبيرة وفي الثابت عن النبي A ما لا يحتاج معه إلى غيره وأما ما روي عن علي وابن عباس أنهما قالا : إنها صلاة الصبح كما أخرجه مالك في الموطأ عنهما وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس وكذلك أخرجه عنه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وكذلك أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر وكذلك أخرجه ابن جرير عن جابر وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي أمامة وكل ذلك من أقوالهم وليس فيها شيء من المرفوع إلى النبي A ولا تقوم بمثل ذلك حجة .
لا سيما إذا عارض ما قد ثبت عنه A ثبوتا يمكن أن يدعى فيه التواتر وإذا لم تقم الحجة بأقوال الصحابة لم تقم بأقوال من بعدهم من التابعين وتابعهم بالأولى وهكذا لا تقوم الحجة بما أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس أنه قال : صلاة الوسطى المغرب وهكذا لا اعتبار بما ورد من قول جماعة من الصحابة أنها الظهر أو غيرها من الصلوات ولكن المحتاج إلى إمعان نظر وفكر ما ورد مرفوعا إلى النبي A مما فيه دلالة على أنها الظهر كما أخرجه ابن جرير عن زيد بن ثابت مرفوعاص : [ إن الصلاة الوسطى صلاة الظهر ] ولا يصح رفعه بل المروي عن زيد بن ثابت ذلك من قوله واستدل على ذلك بأن النبي A كان يصلي بالهاجرة وكانت أثقل الصلاة على أصحابه وأين يقع هذا الاستدلال من تلك الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي A وهكذا الاعتبار بما روي عن ابن عمر من قوله : إنها الظهر وكذلك ما روي عن عائشة وأبي سعيد الخدري وغيرهم فلا حجة في قول أحد من قول رسول الله A وأما ما رواه عبد الرزاق وابن جرير وغيرهما أن حفصة قالت لأبي رافع مولاها وقد أمرته أن يكتب لها مصحفا : .
إذا أتيت على هذه الآية { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فتعال حتى أمليها عليك فلما بلغ ذلك أمرته أن يكتب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وأخرجه أيضا عنها مالك وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في سننه وزادوا : وقالت أشهد أني سمعتها من رسول الله A وأخرج مالك وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم [ عن أبي يونس مولى عائشة أنها أمرته أن يكتب لها مصحفا وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } قال : فلما بلغتها آذنتها فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر قالت عائشة : سمعتها من رسول الله A ] وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أم سلمة أنها أمرت من يكتب لها مصحفا وقالت له كما قالت حفصة وعائشة فغاية ما في هذه الروايات عن أمهات المؤمنين الثلاث Bهن أنهن يروين هذا الحرف هكذا عن رسول الله A وليس فيه ما يدل على تعيين الصلاة الوسطى أنها الظهر أو غيرها بل غاية ما يدل عليه عطف صلاة العصر على صلاة الوسطى أنها غيرها .
لأن المعطوف غير المعطوف عليه وهذا الاستدلال لا يعارض ما ثبت عنه A ثبوتا لا يدفع أنها العصر كما قدمنا بيانه فالحاصل أن هذه القراءة التي نقلتها أمهات المؤمنين الثلاث بإثبات قوله : وصلاة العصر معارضة بما أخرجه ابن جرير [ عن عروة قال : كان في مصحف عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ] وأخرج وكيع عن حميدة قالت : قرأت في مصحف عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وأخرج ابن أبي داود عن قبيصة بن ذؤيب مثله وأخرج سعيد بن منصور وأبو عبيد عن زياد بن أبي مريم أن عائشة أمرت بمصحف لها أن يكتب وقالت : إذا بلغتم { حافظوا على الصلوات } فلا تكتبوها حتى تؤذنوني فلما أخبروها أنهم قد بلغوا قالت : اكتبوها صلاة الوسطى صلاة العصر وأخرج ابن جرير والطحاوي والبيهقي عن عمرو بن رافع قال : كان مكتوبا في مصحف حفصة [ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ] وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه كان يقرأها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير والطحاوي عن ابن عباس .
أنه كان ليقرأها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وأخرج المحاملي عن السائن إبن يزيد أنه تلاها كذلك فهذه الروايات تعارض تلك الروايات باعغتبار التلاوة ونقل القراءة ويبقى ما صح عن النبي A من التعين صافيا عن شوب كدر المعارضة على أنه قد ورد ما يدل على نسخ تلك القراءة التي نقلتها حفصة وعائشة وأم سلمة فأخرج عبد إبن حميد ومسلم وأبو داوود في ناسخه وابن جرير والبيهقي عن البراء بن عازب قال : نزلت حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأنها على عهد رسول الله A ما شاء الله ثم نسخها الله فأنزل { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فقيل له إذا صلاة العصر ؟ قال : قد حدثتك كيف نزلت وكيف نسخها الله واللع أعلم وأخرج البيهقي عنه بوجه آخر نحوه وإذا تقرر لك هذا وعرفت ما سقناه تبين لك أنه لم يرد ما يعارض أن الصلاة الوسطى صلاة العصر أما حجج بقيت الأقوال فليس فيها شيء مما ينبغي الإشتغال به لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله علايه وسلم في ذلك شيء وبعض القائلين عول على أمر لا يعول عليه فقال : إنها صلاة كذا بأنها وسطى بالنسبة إلا أن قبلها كذا من الصلوات وبعدها كذا من الصلوات وهذا الرأي المحض والتخمين البحت لا ينبغي أن تستند إليه الأحكام الشرعية على فرض عدم وجود ما يعارضه عن النبي A فكيف مع وجود ما هو في أعلى درجات الصحة والقوة والثبوت عن رسول الله A ؟ ويا لله العجب من قوم لم يكتفوا بتقصيرهم في علم السنة وإعراضهم عن خير العلوم وأنفعها حتى كلفوا أنفسهم التكلم على أحكام الله والتحري على تفسير كتاب الله بغير علم ولا هدى فجاءوا بما يضحك منه تارة ويبكي منه أخرى قوله : { وقوموا لله قانتين } القنوت قيل : هو الطاعة : أي قوموا لله في صلاتكم طائعين قاله جابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير والضحاك والشعبي وقيل : هو الخشوع قاله ابن عمر ومجاهد ومنه قول الشاعر : .
( قانتا لله يدعو ربه ... وعلى عمد من الناس اعتزل ) .
وقيل : هو الدعاء وبه قال ابن عباس وفي الحديث [ أن رسول الله A قنت شهرا يدعو على رعل وذكوان ] وقال قوم : إن القنوت طول القيام وقيل : معناه ساكتين قاله السدي ويدل عليه حديث زيد بن أرقم في الصحيحين وغيرهما قال : [ كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي A في الحاجة في الصلاة حتى نزلت هذه الآية : { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت ] وقيل : أصل القنوت في اللغة الدوام على الشيء فكل معنى يناسب الدوام يصح إطلاق القنوت عليه وقد ذكر أهل العلم أن القنوت ثلاثة عشر معنى وقد ذكرنا ذلك في شرح المنتقى والمتعين ها هنا حمل القنوت على السكوت للحديث المذكور