ثم حكى سبحانه وتعالى دعاء نبيه A بقوله : 112 - { قال رب احكم بالحق } أي احكم بيني وبين هؤلاء المكذبين بما هو الحق عندك ففوض الأمر إليه سبحانه وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وابن محيصن { رب } بضم الباء وقال النحاس : وهذا لحن عند النحويين لا يجوز عندهم رجل أقبل حتى يقول يا رجل وقرأ الضحاك وطلحة ويعقوب { أحكم } بقطع الهمزة وفتح الكاف وضم الميم : أي قال محمد ربي أحكم بالحق وقرئ قل بصيغة الأمر : أي قل يا محمد ورب في موضع نصب لأنه منادى مضاف إلى الضمير وقد استجاب سبحانه دعاء نبيه A فعذبهم ببدر ثم جعل العاقبة والغلبة والنصر لعباده المؤمنين والحمد A رب العالمين ثم قال سبحانه متمما لتلك الحكاية { وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون } من الكفر والتكذيب فربنا مبتدأ وخبره الرحمن : أي هو كثير الرحمة لعباده والمستعان خبر آخر : أي المستعان به في الأمور التي من جملتها ما تصفونه من أن الشوكة تكون لكم ومن قولكم : { هل هذا إلا بشر مثلكم } وقولكم { اتخذ الرحمن ولدا } وكثيرا ما يستعمل الوصف في كتاب الله بمعنى الكذب كقوله : { ولكم الويل مما تصفون } وقوله : { سيجزيهم وصفهم } وقرأ المفضل والسلمي على ما يصفون بالياء التحتية وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب .
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله فنزلت : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } عيسى وعزير والملائكة وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبي A فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا فنزلت { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون } ثم نزلت { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضا نحوه بأطول منه وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي A في قوله : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } قال : عيسى وعزير والملائكة وأخرج ابن جرير عنه أيضا في قوله : { حصب جهنم } قال : شجر جهنم وفي إسناده العوفي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن { حصب جهنم } وقودها وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال : هو حطب جهنم بالزنجية وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي A في قوله : { لا يسمعون حسيسها } قال : حيات على الصراط تقول حس حس وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله : { لا يسمعون حسيسها } قال : حيات على الصراط تلسعهم فإذا لسعتهم قالوا حس حس وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل علي عن هذه الآية { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } قال : هو عثمان وأصحابه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { لا يسمعون حسيسها } يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا نزلوا منزلهم من الجنة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } قال : النفخة الآخرة وفي إسناده العوفي وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله A : [ ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أم قوما وهم لها راضون ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة وعبد أدى حق الله وحق مواليه ] وأخرج عبد بن حميد عن علي في قوله : { كطي السجل } قال : ملك السجل ملك فإذا صعد بالاستغفار قال اكتبوها نورا وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده في المعرفة وابن مردويه والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبي A وأخرج ابن المنذر وابن عدي وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله A كاتب يسمى السجل وهو قوله : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء وأخرج ابن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبي A كاتب يقال له السجل فأنزل الله { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جدا من حديث نافع عن ابن عمر لا يصح أصلا قال : وكذلك ما تقدم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضا وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزني وقد أفردت بهذا الحديث جزءا له على حدة ولله الحمد قال : وقد تصدى الإمام أبو جعفر بن جرير للإنكار على هذا الحديث ورده أتم رد وقال : ولا نعرف في الصحابة أحدا اسمه سجل وكتاب النبي A كانوا معروفين وليس فيهم أحد اسمه السجل وصدق C في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم قال : والصحيح عن ابن عباس أن السجل هو الصحيفة قاله علي بن أبي طلحة والعوفي عنه ونص على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب : أي على الكتاب يعني المكتوب كقوله : { فلما أسلما وتله للجبين } أي على الجبين وله نظائر في اللغة والله أعلم قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا فإن علي بن أبي طلحة والعوفي ضعيفان فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال { السجل } هو الرجل زاد ابن مردويه بلغة الحبشة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطي الصحيفة على الكتاب وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { كما بدأنا أول خلق نعيده } يقول : نهلك كل شيء كما كان أول مرة وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } قال : القرآن { أن الأرض } قال : أرض الجنة وأخرج ابن جرير عنه أيضا { ولقد كتبنا في الزبور } قال : الكتب { من بعد الذكر } قال : التوراة وفي إسناده العوفي وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضا قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء والأرض : أرض الجنة وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : { أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } قال : أرض الجنة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق عمله قبل أن تكون السموات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض ويدخلهم الجنة وهم الصالحون وفي قوله : { لبلاغا لقوم عابدين } قال : عالمين وفي إسناده علي بن أبي طلحة وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة { إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين } قال : الصلوات الخمس وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله A [ في قول الله { إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين } قال : في الصلوات الخمس شغلا للعبادة ] وأخرج ابن مردويه عن ابن عباسي [ أن النبي A قرأ هذه الآية { لبلاغا لقوم عابدين } قال : هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال [ قيل يا رسول الله ادع الله على المشركين قال إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة ] وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله A : [ إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين ] وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان أن رسول الله A قال : [ أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة ] وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله A : [ إنما أنا رحمة مهداة ] وقد روي معنى هذا من طرق وأخرج ابن أبي خثيمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبي A رأى فلانا وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس فشق ذلك على رسول الله A فأنزل الله { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين } يقول : هذا الملك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وإن أدري لعله فتنة لكم } يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة لعل تأخير ذلك عنكم فتنة لكم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله : { قال رب احكم بالحق } قال : لا يحكم الله إلا بالحق وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه