55 - { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات } هذه الجملة مقررة لما قبلها من أن طاعتهم لرسول الله A سبب لهدايتهم وهذا وعد من الله سبحانه لمن آمن بالله وعمل الأعمال الصالحات بالاستخلاف لهم في الأرض لما استخلف الذين من قبلهم من الأمم وهو وعد يعم جميع الأمة وقيل هو خاص بالصحابة ولا وجه لذلك فإن الإيمان وعمل الصالحات لا يختص بهم بل ويمكن وقوع ذلك من كل واحد من هذه الأمة ومن عمل بكتاب الله وسنة رسوله فقد أطاع الله ورسوله واللام في { ليستخلفنهم في الأرض } جواب لقسم محذوف أو جواب للوعد بتنزيله منزلة القسم لأنه ناجز لا محالة ومعنى ليستخلفهم في الأرض : ليجعلنهم فيها خلفاء يتصرفون فيها تصرف الملوك في مملوكاتهم وقد أبعد من قال إنها مختصة بالخلفاء الأربعة أو بالمهاجرين أو بأن المراد بالأرض أرض مكة وقد عرفت أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وظاهر قوله : { كما استخلف الذين من قبلهم } كل من استخلفه الله في أرضه فلا يخص ذلك ببني إسرائيل ولا أمة من الأمم دون غيرها قرأ الجمهور { كما استخلف } بفتح الفوقية على البناء للفاعل وقرأ عيسى بن عمر وأبو بكر والمفضل عن عاصم بضمها على البناء للمفعول ومحل الكاف النصب على المصدرية : أي استخلافا كما استخلف وجملة { وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم } معطوفة على ليستخلفنهم داخلة تحت حكمه كائنة من جملة الجواب والمراد بالتمكين هنا : التثبيت والتقرير : أي يجعله الله ثابتا مقررا ويوسع لهم في البلاد ويظهر دينهم على جميع الأديان والمراد بالدين هنا : الإسلام كما في قوله : { ورضيت لكم الإسلام دينا } ذكر سبحانه وتعالى الاستخلاف لهم أولا وهو جعلهم ملوكا وذكر التمكين ثانيا فأفاد ذلك أن هذا الملك ليس على وجه العروض والطرو بل على وجه الاستقرار والثابت بحيث يكون الملك لهم ولعقبهم من بعدهم وجملة { وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا } معطوفة على التي قبلها قرأ ابن كثير وابن محيصن ويعقوب وأبو بكر { ليبدلنهم } بالتخفيف من أبدل وهي قراءة الحسن واختارها أبو حاتم وقرأ الباقون بالتشديد من بدل واختارها أبو عبيد وهما لغتان وزيادة البناء تدل على زيادة المعنى فقراء التشديد أرجح من قراءة التخفيف قال النحاس : وزعم أحمد بن يحيى ثعلب أن بين التخفيف والتثقيل فرقا وأنه يقال بدلته : أي غيرته وأبدلته : أزلته وجعلت غيره قال النحاس وهذا القول صحيح والمعنى : أنه سبحانه يجعل لهم مكان ما كانوا فيه من الخوف من الأعداء أمنا ويذهب عنهم أسباب الخوف الذي كانوا فيه بحيث لا يخشون إلا الله سبحانه ولا يرجون غيره وقد كان المسلمون قبل الهجرة وبعدها بقليل في خوف شديد من المشركين لا يخرجون إلا في السلاح ولا يمسون ويصبحون إلا على ترقب لنزول المضرة بهم من الكفار ثم صاروا في غاية الأمن والدعة وأذل الله لهم شياطين المشركين وفتح عليهم البلاد ومهد لهم في الأرض ومكنهم منها فلله الحمد وجملة { يعبدونني } في محل نصب على الحال ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة للثناء عليهم وجملة { لا يشركون بي شيئا } في محل نصب على الحال من فاعل يعبدونني : أي يعبدونني غير مشركين بي في العبادة شيئا من الأشياء وقيل معناه : لا يراءون بعبادتي أحدا وقيل معناه : لا يخافون غيري وقيل معناه لا يحبون غيري { ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } أي من كفر هذه النعم بعد ذلك الوعد الصحيح أو من استمر على الكفر أو من كفر بعد إيمان فأولئك الكافرون هم الفاسقون أي الكاملون في الفسق وهو الخروج عن الطاعة والطغيان في الكفر