23 - { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } هذا وعيد آخر وذلك أنهم كانوا يعلمون أعملالا لها صورة الخير : من صلة الرحم وإغاثة الملهوف وإطعام الطعام وأمثالها ولم يمنع من الإثابة عليها إلا الكفر الذي هم عليه فمثلت حالهم وأعمالهم بحال قوم خالفوا سلطانهم واستعصوا عليه فقدم إلى ما معهم من المتاع فأفسده ولم يترك منها شيئا وإلا فلا قدوم ها هنا قال الواحدي : معنى قدمنا عمدنا وقصدنا يقال : قدم فلان إلى أمر كذا إذا قصده أو عمده ومنه قول الشاعر : .
( وقدم الخوارج الضلال ... إلى عباد ربهم فقالوا ) .
( إن دماءكم لنا حلال ) .
وقيل هو قدوم الملائكة أخبر به عن نفسه تعالى والهباء واحده هباءة والجمع أهباء قال النضر بن شميل : الهباء التراب الذي تطيره الريح كأنه دخان وقال الزجاج : هو ما يدخل في الكوة مع ضوء الشمس يشبه الغبار وكذا قال الأزهري : والمنثور المفرق والمعنى : أن الله سبحانه أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء المنثور لم يكتف سبحانه بتشبيه عملهم بالهباء حتى وصفه بأنه متفرق متبدد وقيل إن الهباء ما أذرته الرياح من يابس أوراق الشجر وقيل هو الماء المهراق وقيل الرماد والأول هو الذي ثبت في لغة العرب ونقله العارفون بها ثم مير سبحانه حال الأبرار من حال الفجار