73 - { أو ينفعونكم } بوجه من وجوه النفع { أو يضرون } أي يضرونكم إذا تركتم عبادتهم وهذا الاستفهام للتقرير فإنها إذا كانت لا تسمع ولا تنفع ولا تضر فلا وجه لعبادتها فإذا قالوا نعم هي كذلك أقروا بأن عبادتهم لها من باب اللعب والعبث وعند ذلك تقوم الحجة عليهم فلما أورد عليهم الخليل هذه الحجة الباهرة لم يجدوا لها جوابا إلا رجوعهم إلى التقليد البحت وهو أنهم وجدوا آباءهم كذلك يفعلون : أي يفعلون لهذه العبادة لهذه الأصنام مع كونها بهذه الصفة التي هي سلب السمع والنفع والضر عنها وهذا الجواب هو العصا التي يتوكأ عليها كل عاجز ويمشي بها كل أعرج ويغتر بها كل مغرور وينخدع لها كل مخدوع فإنك لو سألت الآن هذه المقلدة للرجال التي طبقت الأرض بطولها والعرض وقلت لهم : ما الحجة لهم على تقليد فرد من أفراد العلماء والأخذ بكل ما يقوله في الدين ويبتدعه من الرأي المخالف للدليل لم يجدوا غير هذا الجواب ولا فاهوا بسواه وأخذوا يعددون عليك من سبقهم إلى تقليد هذا من سلفهم واقتداء بأقواله وأفعاله وهم قد ملأوا صدورهم هيبة وضاقت أذهانهم عن تصورهم وظنوا أنهم خير أهل الأرض وأعلمهم وأروعهم فلم يسمعوا لناصح نصحا ولا لداع إلى الحق دعاء ولو فظنوا لوجدوا أنفسهم في غرور عظيم وجهل شنيع وإنهم كالبهيمة العمياء وأولئك الأسلاف كالعمي الذين يقودون البهائم العمين كما قال الشاعر : .
( كبهيمة عمياء قاد زمامها ... أعمى على عوج الطريق الحائر ) .
فعليك أيها العامل بالكتاب والسنة المبرأ من التعصب والتعسف أن تورد عليهم حجج الله وتقيم عليهم براهينه فإنه ربما انقاد لك منهم من لم يستحكم داء التقليد في قلبه وأما من قد استحكم في قلبه هذا الداءن فلو أوردت عليه كل حجة وأقمت عليه كل برهان لما أعارك إلا أذنا صماء وعينا عمياء ولكنك قد قمت بواجب البيان الذي أوجبه عليك القرآن والهداية بيد الخلاق العليم { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } ولما قال هؤلاء المقلدة هذه المقالة