قالوا : والمراد بالبيت بيت النبي A ومساكن زوجاته لقوله : 34 - { واذكرن ما يتلى في بيوتكن } وأيضا السياق في الزوجات من قوله : { يا أيها النبي قل لأزواجك } إلى قوله : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا } وقال أبو سعيد الخدري ومجاهد وقتادة وروي عن الكلبي أن أهل البيت المذكورين في الآية هم علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة ومن حججهم الخطاب في الآية بما يصلح للذكور لا للإناث وهو قوله : عنكم وليطهركم ولو كان للنساء خاصة لقال عنكن ويطهركن وأجاب الأولون عن هذا أن التذكير باعتبار لفظ الأهل كما قال سبحانه : { أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } وكما يقول الرجل لصاحبه : كيف أهلك ؟ يريد زوجته أو زوجاته فيقول : هم بخير .
ولنذكر ههنا ما تمسك به كل فريق : أما الأولون فتمسكوا بالسياق فإنه في الزوجات كما ذكرنا وبما أخرجه ابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } قال : نزلت في نساء النبي A خاصة وقال عكرمة : من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي A وأخرج نحوه ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عكرمة نحوه وأخرج ابن سعد عن عروة نحوه .
وأما ما تمسك به الآخرون فأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق [ عن ام سلمة قالت : في بيتي نزلت { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجللهم رسول الله A بكساء كان عليه ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه [ عن أم سلمة أيضا أن النبي A كان في بيتها على منامه له عليه كساء خيبري فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة فقال رسول الله A : ادعي زوجك وابنيك حسنا وحسينا فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على النبي A : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } فأخذ النبي A بفضلة كسائه فغشاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء وألوى بها إلى السماء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالها ثلاث مرات قالت أم سلمة : فأدخلت رأسي في الستر فقلت : يا رسول الله وأنا معكم ؟ فقال : إنك إلى خير مرتين ] وأخرجه أيضا أحمد من حديثها قال : حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رياح حدثني من سمع أم سلمة تذكر أن النبي A فذكره وفي إسناده مجهول وهو شيخ عطاء وبقية رجاله ثقات وقد أخرجه الطبراني عنها من طريقين بنحوه وقد ذكر ابن كثير في تفسيره لحديث أم سلمة طرقا كثيرة في مسند أحمد وغيره وأخرج ابن مردويه والخطيب من حديث أبي سعيد الخدري نحوه وأخرج الترمذي وابن مردويه والطبراني وابن مردويه عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي A قال : لما نزلت هذه الآية على النبي A { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } وذكر نحو حديث أم سلمة وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن عائشة قالت : خرج النبي A غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاءه الحسن والحسين فأدخلهما معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ثم جاء علي فأدخله معه ثم قال : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن واثلة بن الأسقع قال [ جاء رسول الله A إلى فاطمة ومعه علي وحسن وحسين حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم ثم تلا هذه الآية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قلت : يا رسول الله وأنا من أهلك ؟ قال : وأنت من أهلي ] قال واثلة : إنه لأرجى ما أرجوه وله من طرق في مسند أحمد وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس [ أن رسول الله A كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : الصلاة يا أهل البيت الصلاة { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } ] وأخرج مسلم عن زيد بن أرقم [ أن رسول الله A قال : أذكركم الله في أهل بيتي فقيل لزيد : ومن أهل بيته ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده : آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس ] وأخرج الحكيم الترمذي والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : قال رسول الله A : [ إن الله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما فذلك قوله : { وأصحاب اليمين } { وأصحاب الشمال } فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلاثا فذلك قوله : { فأصحاب الميمنة } { وأصحاب المشأمة } { والسابقون السابقون } فأنا من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله : { وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا فذلك قوله : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب ] وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول الله قال : [ رأيت رسول الله A إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة فقال : الصلاة الصلاة { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } ] وفي إسناده أبو داود الأعمى وهو وضاع كذاب وفي الباب أحاديث وآثار وقد ذكرنا ههنا ما يصلح للتمسك به دون ما يصلح .
وقد توسط طائفة ثالثة بين الطائفتين فجعلت هذه الآية شاملة للزوجات ولعلي وفاطمة والحسن والحسين أما الزوجات فلكونهن المرادات في سياق هذه الآيات كما قدمنا ولكونهن الساكنات في بيوته A النازلات في منازله ويعضد ذلك ما تقدم عن ابن عباس وغيره وأما دخول علي وفاطمة والحسن والحسين فلكونهم قرابته وأهل بيته في النسب ويؤيد ذلك ما ذكرناه من الأحاديث المصرحة بأنهم سبب النزول فمن جعل الآية خاصة بأحد الفريأيت قين فقد أعمل بعض ما يجب إعماله وأهمل ما لا يجوز إهماله وقد رجح هذا القول جماعة من المحققين منهم القرطبي وابن كثير وغيرهما وقال جماعة : هم بنو هاشم واستدلوا بما تقدم من حديث ابن عباس وبقول زيد بن أرقم المتقدم حيث قال : ولكن آله من حرم الصدقة بعده : آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس فهؤلاء ذهبوا إلى أن المراد بالبيت بيت النسب قوله : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } أي اذكرن موضع النعمة إذ صيركن الله في بيوت يتلى فيها آيات الله والحكمة اذكرنها وتفكرن فيها لتتعظن بمواعظ الله أو اذكرنها للناس ليتعظوا بها ويهتدوا بهداها أو اذكرنها بالتلاوة لها لتحفظنها ولا تتركن الاستكثار من التلاوة قال القرطبي : قال أهل التأويل وآيات الله هي القرآن والحكمة السنة وقال مقاتل المراد بالآيات والحكمة أمره ونهيه في القرآن وقيل إن القرآن جامع بين كونه آيات بينات دالة على التوحيد وصدق النبوة وبين كونه حكمة مشتملة على فنون من العلوم والشرائع { إن الله كان لطيفا خبيرا } أي لطيفا بأوليائه خبيرا بجميع خلقه وجميع ما يصدر منهم من خير وشر وطاعة ومعصية فهو يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .
وقد أخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن مردويه من طريق أبي الزبير عن جابر قال أقبل أبو بكر يستأذن على رسول الله A والناس ببابه جلوس والنبي A جالس فلم يؤذن له ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبي A جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر : لأكملن النبي A لعله يضحك فقال عمر : يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألت النفقة آنفا فوجأت في عنقها فضحك النبي A حتى بدت نواجذه وقال : هن حولي يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان : تسألان رسول الله A ما ليس عنده فنهاهما رسول الله A فقلن نساؤه : والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ما ليس عنده وأنزل الله الخيار فنادى بعائشة فقال : إني ذاكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قالت : ما هو ؟ فتلا عليها { يا أيها النبي قل لأزواجك } الآية قالت عائشة : أفيك أستأمر أبوي بل أختار الله رسوله وأسألك أن لا تذكر لنسائك ما اخترت فقال : إن الله [ لم ] يبعثني متعنتا ولكن بعثني معلما مبشرا لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما [ عن عائشة أن رسول الله A جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه قالت : فبدأ بي فقال : إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه فقال : إن الله قال : { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا } إلى تمام الآية فقلت له : ففي أي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة وفعل أزواج النبي A مثل ما فعلت ] وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا } قال يقول : من يطع الله منكن وتعمل منكن لله ورسوله بطاعته وأخرج ابن المنذر عنه في قوله : { فلا تخضعن بالقول } قال : يقول لا ترخصن بالقول ولا تخضعن بالكلام وأخرج ابن المنذر عنه أيضا في قوله : { فلا تخضعن بالقول } قال : مقارنة الرجال في القول حتى يطمع الذي في قلبه مرض وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن سيرين قال : نبئت أنه قيل لسودة زوج النبي A : مالك لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك ؟ فقالت : قد حججت واعتمرت وأمرني الله أن أقر في بيتي فوالله لا أخرج من بيتي حتى أموت قال : فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت بجنازتها وأخرج ابن أبي شيبة وابن سعد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر عن مسروق قال : كانت عائشة إذا قرأت { وقرن في بيوتكن } بكت حتى تبل خمارها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الشعب قال : كانت الجاهلية الأولى فيما بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب سأله فقال : أرأيت قول الله لأزواج النبي A { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } هل كانت جاهلية غير واحدة فقال ابن عباس : ما سمعت بأولى إلا ولها آخرة فقال له عمر : فأتني من كتاب الله ما يصدق ذلك فقال : إن الله يقول : وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم أول مرة فقال عمر : من أمرنا أن نجاهد ؟ قال : مخزوم وعبد شمس وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الجاهلية الأولى ما بين عيسى ومحمد وقد قدمنا ذكر الآثار الواردة في سبب نزول قوله : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } قال : القرآن والسنة يمتن بذلك عليهن وأخرج ابن سعد عن أبي أمامة عن سهل في قوله : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن } الآية قال : كان رسول الله A يصلي في بيوت أزواجه النوافل بالليل والنهار