ثم نهاه سبحانه عن طاعة أعداء الدين فقال : 48 - { ولا تطع الكافرين والمنافقين } أي لا تطعهم فيما يشيرون عليك به من المداهنة في الدين وفي الآية تعريض لغيره من أمته لأنه A معصوم عن طاعتهم في شيء مما يريدونه ويشيرون به عليه وقد تقدم تفسير هذه الآية في أول السورة { ودع أذاهم } أي لا تبال بما يصدر منهم إليك من الأذى بسبب يصيبك في دين الله وشدتك على أعدائه أو دع أن تؤذيهم مجازاة لهم على ما يفعلونه من الأذى لك فالمصدر على الأول مضاف إلى الفاعل وعلى الثاني مضاف إلى المفعول وهي منسوخة بآية السيف { وتوكل على الله } في كل شؤونك { وكفى بالله وكيلا } توكل إليه الأمور وتفوض إليه الشؤون فمن فوض إليه أموره كفاه ومن وكل إليه أحواله لم يحتج فيها إلى سواه .
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { اذكروا الله ذكرا كثيرا } يوقل : لا يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها أجلا معلوما ثم عذر أهلها في حال العضر غير الذكر فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحد في تركه إلا مغلوبا على عقله فقال : اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم بالليل والنهار في البر والبحر في السفر والحضر في الغنى والفقر وفي الصحة والسقم في السر والعلانية وعلى كل حال وقال : { وسبحوه بكرة وأصيلا } إذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته قال الله : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } .
وقد ورد في فضل الذكر والاستكثار منه أحاديث كثيرة وقد صنف في الأذكار المتعلقة بالليل والنهار جماعة من الأئمة كالنسائي والنووي والجزري وغيرهم وقد نطقت الآيات القرآنية بفضل الذاكرين وفضيلة الذكر { ولذكر الله أكبر } وقد ورد أنه أفضل من الجهاد كما في حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد والترمذي والبيهقي [ أن رسول الله A سئل : أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا قلت : يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله ؟ قال : لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون أفضل منه درجة ] وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله A : [ ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعا في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : وما هو يا رسول الله ؟ قال : ذكر الله D ] وأخرجه أيضا الترمذي وابن ماجه وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله A : [ سبق المفردون قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا ] وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله A قال : [ أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون ] وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله A : [ اذكروا الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون ] .
وورد في فضل التسبيح بخصوصه أحاديث ثابته في الصحيحين وغيرهما فمن ذلك حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله A : [ من قال في يوم مائة مرة سبحان الله وبحمده حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ] وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص قال [ كنا مع رسول الله A فقال : أيعجز أحدكم أن يكتسب في اليوم ألف حسنة ؟ فقال رجل : كيف يكتسب أحدنا ألف حسنة ؟ قال : يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحط عنه ألف خطيئة ] وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذكر الموت وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن البراء بن عازب في قوله : { تحيتهم يوم يلقونه سلام } قال : يوم يلقون ملك الموت ليس من مؤمن يقبض روحه إلا سلم عليه وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال : [ لما نزلت { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وقد كان أمر عليا ومعاذا أن يسيرا إلى اليمن فقال : انطلقا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا فإنها قد أنزلت علي { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } قال : شاهدا على أمتك ومبشرا بالجنة ونذيرا من النار وداعيا إلى شهادة أن لا إله إلا الله { بإذنه وسراجا منيرا } بالقرآن ] وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفة رسول الله A في التوراة فقال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفاته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا تجزي بالسيئة السيئة ولكن تعفو وتصفح زاد أحمد ولن يقبضه الله حتى يقيم الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وقد ذكر البخاري في صحيحه في البيوع هذا الحديث فقال : وقال سعيد عن هلال عن عطاء عن عبد الله بن سلام ولم يقل عبد الله بن عمرو وهذا أولى فعبد الله بن سلام هو الذي كان يسأل عن التوراة فيخبر بما فيها