52 - { لا يحل لك النساء من بعد } قرأ الجمهور { لا يحل } بالتحتية للفصل بين الفعل وفاعله المؤنث وقرأ ابن كثير بالفوقية .
وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية على أقوال : الأول أنها محكمة وأنه حرم على رسول الله A أن يتزوج على نسائه مكافأة لهن بما فعلن من اختيار الله ورسوله والدار الآخرة لما خيرهن رسول الله A بأمر الله له بذلك وهذا قول ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة والحسن وابن سيرين وأبي بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وابن زيد وابن جرير وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف : لما حرم الله عليهن أن يتزوجن من بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن وقال أبي بن كعب وعكرمة وأبو رزين : إن المعنى : لا يحل لك النساء من بعد الأصناف التي سماها الله قال القرطبي : وهو اختيار ابن جرير وقيل لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات لأنهن لا يصح أن يتصفن بأنهن أمهات المؤمنين وهذا القول فيه بعد لأنه يكون التقدير : لا يحل لك النساء من بعد المسلمات ولم يجز للمسلمات ذكر وقيل هذه الآية منسوخة بالسنة وبقوله سبحانه : { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } وبهذا قالت عائشة وأم سلمة وعلي بن أبي طالب وعلي بن الحسين وغيرهم وهذا هو الراجح وسيأتي في آخر البحث ما يدل عليه من الأدلة { ولا أن تبدل بهن من أزواج } أي تتبدل فحذفت إحدى التاءين : أي ليس لك أن تطلق واحدة منهن أو أكثر وتتزوج بدل من طلقت منهن و من في قوله : { من أزواج } مزيدة للتأكيد وقال ابن زيد : هذا شيء كانت العرب تفعله يقول : خذ زوجتي وأعطني زوجتك وقد أنكر النحاس وابن جرير ما ذكره ابن زيد قال ابن جرير : ما فعلت العرب هذا قط ويدفع هذا الإنكار منهما ما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة قال : كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي فأنزل الله D { ولا أن تبدل بهن } وأخرجه أيضا عنه البزار وابن مردويه وجملة { ولو أعجبك حسنهن } في محل نصب على الحال من فاعل تبدل والمعنى : أنه لا يحل التبدل بأزواجك ولو أعجبك حسن غيرهن ممن أردت أن تجعلها بدلا من إحداهن وهذا التبدل أيضا من جملة ما نسخه الله في حق رسوله على القول الراجح وقوله : { إلا ما ملكت يمينك } استثناء من النساء لأنه يتناول الحرائر والإماء .
وقد اختلف العلماء في تحليل الأمة الكافرة القول الأول : أنها تحل للنبي A لعموم هذه الآية وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم القول الثاني : أنها لا تحل له تنزيها لقدره عن مباشرة الكافرة ويترجح القول الأول بعموم هذه الآية وتعليل المنع بالتنزه ضعيف فلا تنزه عما أحله الله سبحانه فإن ما أحله فهو طيب لا خبيث باعتبار ما يتعلق بأمور النكاح لا باعتبار غير ذلك فالمشركون نجس بنص القرآن ويمكن ترجيح القول الثاني بقوله سبحانه : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فإنه نهي عام { وكان الله على كل شيء رقيبا } أي أمراقبا حافظا مهيمنا لا يخفى عليه شيء ولا يفوته شيء .
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { إذا نكحتم المؤمنات } قال : هذا في الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها من قبل أن يمسها فإذا طلقها واحدة بانت منه ولا عدة عليها تتزوج من شاءت ثم قال : { فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا } يقول : إن كان سمى لها صداقا فليس لها إلا النصف وإن لم يكن سمى لها صداقا متعها على قدر عسره ويسره وهو السراح الجميل وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } منسوخة نسختها التي في البقرة { فنصف ما فرضتم } وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن المسيب نحوه وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال : بلغ ابن عباس أن ابن مسعود يقول : إن طلق ما لم ينكح فهو جائز فقال ابن عباس أخطأ في هذا إن الله يقول : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } ولم يقل : إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية وقال : لا يكون طلاق حتى يكون نكاح وقد وردت أحاديث منها أنه لا طلاق إلا بعد نكاح وهي معروفة وأخرج ابن سعد وابن راهويه وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت : خطبني رسول الله A فاعتذرت إليه فعذرني فأنزل الله { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك } إلى قوله : { هاجرن معك } قالت : فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر معه كنت من الطلقاء وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت : نزلت في هذه الآية { وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك } أراد النبي أن يتزوجني فنهي عني إذ لم أهاجر وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { إنا أحللنا لك أزواجك } إلى قوله : { خالصة لك } قال فحرم الله عليه سوى ذلك من النساء وكان قبل ذلك ينكح في أي النساء شاء لم يحرم ذلك عليه وكان نساؤه يجدن من ذلك وجدا شديدا أن ينكح في أي النساء أحب فلما أنزل إني حرمت عليك من النساء سوى ما قصصت عليك أعجب ذلك نساءه وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في السنن من عائشة قالت : التي وهبت نفسها للنبي A خولة بنت حكيم وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي وابن مردويه عن عروة : أن خولة بنت حكيم كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله A وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب وعمر بن الحكم وعبد الله بن عبيدة قالوا : تزوج رسول الله A ثلاث عشرة امرأة : ست من قريش : وامرأتين من بني هلال بن عامر : ميمونة بنت الحارث وهي التي وهبت نفسها للنبي A وزينب أم المساكين والعامرية وهي التي اختارت الدنيا وامرأة من بني الجون وهي التي استعاذت منه وزينب بنت جحش الأسدية والسبيتين : صفية بنت حيي وجويرية بنت الحارث الخزاعية وأخرج البخاري وابن مردويه عن أنس قال : جاءت امرأة إلى النبي A فقالت : يا نبي الله هل لك في حاجة ؟ فقالت ابنة أنس : ما كان أقل حياءها فقال هي خير منك رغبت في النبي A فعرضت نفسها عليه وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد الساعدي أن امرأة جاءت إلى النبي A فوهبت نفسها له فصمتن الحديث بطوله وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في قوله : { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } قال : فرض الله عليهم أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مثله وزاد ومهر وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال : نهى رسول الله A أن توطأ الحامل حتى تضع والحائل حتى تستبرأ بحيضة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { ترجي من تشاء منهن } قال : تؤخر وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه في قول : { ترجي من تشاء منهن } يقول : من شئت خليت سبيله منهن ومن أحببت أمسكت منهن وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت : كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله A وأقول تهب المرأة نفسها فلما أنزل الله { ترجي من تشاء منهن } الآية قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين قال : هم رسول الله A أن يطلق من نسائهن فلما رأين ذلك أتينه فقلن : لا يخل سبيلنا وأنت في حل فيما بيننا وبينك افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت فأنزل الله { ترجي من تشاء منهن } يقول : تعزل من تشاء فأرجأ منهن نسوى وآوى نسوة وكان ممن أرجى ميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وسودة وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما شاء وكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب فكانت قسمته من نفسه وماله بينهن سواء وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة أن رسول الله A كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الآية { ترجي من تشاء منهن } فقلت لها : ما كنت تقولين ؟ قالت : كنت أقول : إن كان ذلك إلي فإني لا أريد أن أؤثر عليك أحدا وأخرج الروياني والدارمي وابن سعد وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن زياد رجل من الأنصار قال : قلت لأبي بن كعب : أرأيت لو أن أزواج النبي A متن أما كان يحل له أن يتزوج ؟ قال : وما يمنعه من ذلك ؟ قلت : قوله : { لا يحل لك النساء من بعد } قال : إنما أحل له ضربا من النساء ووصف له صحته فقال : { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك } إلى قوله : { وامرأة مؤمنة } ثم قال : لا يحل لك النساء من بعد هذه الصفة وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : نهي رسول الله A عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات قال : { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك } فأحل له الفتيات المؤمنات { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } وحرم كل ذات دين غير الإسلام وقال : { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك } إلى قوله : { خالصة لك من دون المؤمنين } وحرم ما سوى ذلك من أصناف النساء وأخرج ابن مردويه عنه قال نيه النبي A أن يتزوج بعد نسائه الأول شيئا وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في الآية قال : حبسه الله عليهن كما حبسهن عليه وأخرج أبو داود في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس قال : لما خيرهن فاخترن الله ورسوله قصره عليهن فقال : { لا يحل لك النساء من بعد } وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن أم سلمة قالت : لم يمت رسول الله A حتى أحل الله له أن يتزوج من النسا ما شاء إلا ذات محرم وذلك قول الله { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي من طريق عطاء عن عائشة قالت : لم يمت رسول الله A حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم لقوله : { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } وأخرج ابن سعد عن ابن عباس مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين { لا يحل لك النساء من بعد } قال : من الشركات إلا ما سبيت فملكت يمينك وأخرج البزار وابن مردويه عن أبي هريرة قال : كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : بادلني امرأتك وأبادلك امرأتي : أي تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي فأنزل الله { ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن } قال : [ فدخل عيينة بن حصن الفزاري إلى النبي A وعنده عائشة وفدخل بغير إذن فقال له رسول الله A : أين الاستئذان ؟ قال : يا رسول الله ما استأذنت على رجل من الأنصار منذ أدركت ثم قال : من هذه الحميراء إلى جنبك ؟ فقال رسول الله : هذه عائشة أم المؤمنين قال : أفلا أنزل لك عن أحسن خلق الله ؟ قال : يا عيينة إن الله حرم ذلك فلما أن خرج قالت عائشة : من هذا ؟ قال : أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه ]