ثم لما فرغ من الذم لمن آذى الله ورسوله ذكر الأذية لصالحي عباده فقال : 58 - { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات } بوجه من وجوه الأذى من قول أو فعل ومعنى { بغير ما اكتسبوا } أنه لم يكن ذلك لسبب فعلوه يوجب عليهم الأذية ويستحقونها به فأما الأذية للمؤمن والمؤمنة بما كسبه مما يوجب عليه حدا أو تعزيرا أو نحوهما فذلك حق أثبته الشرع وأمر أمرنا الله به وندبنا إليه وهكذا إذا وقع من المؤمنين والمؤمنات الابتداء بشتم لمؤمن أو مؤمنة أو ضر فإن القصاص من الفاعل ليس من الأذية المحرمة على أي وجه كان ما لم يجاوز ما شرعه الله ثم أخبر عما لهؤلاء الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقال : { فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } أي ظاهرا واضحا لا شك في كونه من البهتان والإثم وقد تقدم بيان حقيقة البهتان وحقيقة الإثم .
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { يصلون على النبي } يبركون وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في الظمة وابن مردويه عن ابن عباس أن بني إسرائيل قالوا لموسى : هل يصلي ربك ؟ فناداه ربه : يا موسى سألوك هل يصلي ربك ؟ فقل نعم أنا أصلي وملائكتي عن أنبيائي ورسلي فأنزل الله على نبيه { إن الله وملائكته يصلون على النبي } الآية وأخرج ابن مردويه عنه قال : إن صلاة الله على النبي هي المغفرة إن الله لا يصلي ولكن يغفر وأما صلاة الناس على النبي فهي الاستغفار له وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه قرأ صلوا عليه كما A وا تسليما وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن كعب بن عجرة قال : [ لما نزلت { إن الله وملائكته يصلون على النبي } الآية قلنا : يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك ؟ قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ] وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديثه بلفظ : [ قال رجل يا رسول الله : أما السلام عليك فقد علمناه فكيف الصلاة عليك قال : قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ] وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأحمد والنسائي من حديث طلحة بن عبيد الله قال : [ قلت يا رسول الله كيف الصلاة عليك ؟ قال : قل اللهم صل على محمدوعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ] وفي الأحاديث اختلاف ففي بعضها على إبراهيم فقط وفي بعضها على آل إبراهيم فقط وفي بعضها بالجمع بينهما كحديث طلحة هذا وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي حميد الساعدي [ أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله A : قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ] والأحاديث في هذا الباب كيرة جدا وفي بعضها التقييد بالصلاة كما في حديث أبي مسعود عند ابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه : أن رجلا قال : يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا ؟ الحديث وأخرج الشافعي في مسنده من حديث أبي هريرة مثله وجميع التعليمات الواردة عنه A في الصلاة عليه مشتملة على الصلاة على آله معه إلا النادر اليسير من الأحاديث فينبغي للمصلي عليه أن يضم آله إليه في صلاته عليه وقد قال بذلك جماعة ونقله إمام الحرمين والغزالي قولا عن الشافعي كما رواه عنهما ابن كثير في تفسيره ولا حاجة إلى التمسك بقول قائل في مثل هذا مع تصريح الأحاديث الصحيحة به ولا وجه لقول من قال إن هذه التعليمات الواردة عنه A في صفة الصلاة عليه مقيدة بالصلاة في الصلاة حملا لمطلق الأحاديث على المقيد منها بذلك القيد لما في حديث كعب بن عجرة وغيره أن ذلك السؤال لرسول الله A كان عند نزول الآية وأخرج عبد الرزاق وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة أن رسول الله A قال : [ صلوا على أنبياء الله ورسله فإن الله بعثهم كما بعثني ] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { إن الذين يؤذون الله ورسوله } الآية قال : نزلت في الذين طعنوا على النبي A حين اتخذ صفية بنت حيي وروي عنه أنها نزلت في الذين قذفوا عائشة