وقوله : 27 - { الذين ينقضون } في محل نصب وصفا للفاسقين والنقض : إفساد ما أبرم من بناء أو حبل أو عهد والنقاضة : ما نقض من حبل الشعر والعهد : قيل : هو الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهره وقيل : هو وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسن رسله ونقضهم ذلك : ترك العمل به وقيل : بل هو نصب الأدلة على وحدانيته بالسموات والأرض وسائر مخلوقاته ونقضه : ترك النظر فيه وقيل : هو ما عهده إلى الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس والميثاق : العهد المؤكد باليمين مفعال من الوثاقة وهي الشدة في العقد والربط والجمع المواثيق والمياثيق وأنشد ابن الأعرابي : .
( حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا ... ولا نسأل الأقوام عهد المياثق ) .
واستعمال النقض في إبطال العهد على سبيل الاستعارة والقطع معروف والمصدر في الرحم القطيعة وقطعت الحبل قطعا وقطعت النهر قطعا وما في قوله : { ما أمر الله به } في موضع نصب بيقطعون و { أن يوصل } في محل نصب بأمر ويحتمل أن يكون بدلا من ما أو من الهاء في به واختلفوا ما هو الشيء الذي أمر الله بوصله : فقيل : الأرحام وقيل : أمر أن يوصل القول بالعمل وقيل : أمر أن يوصل التصديق بجميع شرائعه وحدوده التي أمر في كتبه المنزلة وعلى ألسن رسله بالمحافظة عليها فهي عامة وبه قال الجمهور وهو الحق والمراد بالفساد في الأرض الأفعال والأقوال المخالفة لما أمر الله به كعبادة غيره والإضرار بعباده وتغيير ما أمر بحفظه وبالجملة فكل ما خالف الصلاح شرعا أو عقلا فهو فساد والخسران : النقصان والخاسر هو الذي نقص نفسه من الفلاح والفوز وهؤلاء لما استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل كان عملهم فسادا لما نقصوا أنفسهم من الفلاح والربح وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال : لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين قوله : { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } وقوله : { أو كصيب من السماء } قال المنافقون : الله أعلا وأجل من أن يضرب هذه الأمثال فأنزل الله { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا } الآية وأخرج الواحدي في تفسيره عن ابن عباس قال : إن الله ذكر آلهة المشركين فقال : { وإن يسلبهم الذباب شيئا } وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت فقالوا : أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد أي شيء كان يصنع هذا ؟ فأنزل الله { إن الله لا يستحي } وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحو قول ابن عباس وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : لما نزلت { يا أيها الناس ضرب مثل } قال المشركون : ما هذا من الأمثال فيضرب ؟ فأنزل الله هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله تعالى : { فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم } قال : يؤمن به المؤمن ويعلمون أنه الحق من ربهم ويهديهم الله به ويعرفه الفاسقون فيكفرون به وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله : { يضل به كثيرا } يعني المنافقين { ويهدي به كثيرا } يعني المؤمنين { وما يضل به إلا الفاسقين } قال : هم المنافقون وفي قوله : { ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } قال : هو ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { وما يضل به إلا الفاسقين } يقول : يعرفه الكافرون فيكفرون به وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص قال : الحرورية هي الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان يسميهم الفاسقين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال : ما نعلم الله أوعد في ذنب ما أوعد في نقض هذا الميثاق فمن أحاديث ثابتة في الصحيح وغيره من طريق جماعة من الصحابة النهي عن نقض العهد والوعيد الشديد عليه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } قال : الرحم والقرابة وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ويفسدون في الأرض } قال : يعلمون فيها بالمعصية وأخرج ابن المنذر عن مقاتل في قوله : { أولئك هم الخاسرون } يقول : هم أهل النار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام مثل خاسر ومسرف وظالم ومجرم وفاسق فإنما يعني به الكفر وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذم