واللام في 73 - { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } متعلق بحملها أي حملها الإنسان ليعذب الله العاصي ويثيب المطيع وعلى هذا فجملة { إنه كان ظلوما جهولا } معترضة بين الجملة وغايتها للإيذان بعدم وفائه بما تحمله قال مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حبان : ليعذبهم بما خانوا من الأمانة وكذبوا من الرسل ونقضوا من الميثاق الذي أقروا به حين أخرجوا من ظهر آدم وقال الحسن وقتادة : هؤلاء المعذبون هم الذين خانوها وهؤلاء الذين يتوب الله عليهم هم الذين أدوها وقال ابن قتيبة : أي عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهما الله ويظهر إيمان المؤمن فيتوب الله عليه : أي يعود عليه بالمغفرة والرحمة إن حصل منه تقصير في بعض الطاعات ولذلك ذكر بلفظ التوبة فدل على أن المؤمن العاصي خارج من العذاب { وكان الله غفورا رحيما } أي كثرة المغفرة والرحمة للمؤمنين من عباده إذا قصروا في شيء مما يجب عليهم وقد قيل إن المراد بالأمانة العقل والراجح ما قدمنا عن الجمهور وما عداه فلا يخلو عن ضعف لعدم وروده على المعنى العربي ولا انطباقه على ما يقتضيه الشرع ولا موافقته لما يقتضيه تعريف الأمانة .
وقد أخرج البخاري وغيره من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله A : [ إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فأذاه من أذاه من بني إسرائيل فقالوا ما تستر هذا الستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله D أراد أن يبرئ موسى مما قالوا فخلا يوما وحده فخلع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه فطلب الحجر فجعل يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا ] وأخرج نحوه البزار وابن الأنباري وابن مردويه من حديث أنس وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { لا تكونوا كالذين آذوا موسى } قال : ثقال له قومه إنه آدر فخرج ذات يوم ليغتسل فوضع ثيابه على حجر فخرجت الصخرة تشتد بثيابه فخرج موسى يتبعها عريانا حتى انتهت به إلى مجالس بني إسرائيل فرأوه وليس بآدر فذلك قوله : { فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها } وأخرج الحاكم وصححه من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة : أن الله أوحى إلى موسى إني متوف هارون فأت به جبل كذا وكذا فانطلقا نحو الجبل فإذا هم بشجرة وبيت فيه سرير عليه فرش وريح طيب فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه قال : يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير قال نم عليه قال نم معي فلما ناما أخذ هارون الموت فلما قبض رفع ذلك البيت وذهبت الشجرة ورفع السرير إلى السماء فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا قتل هارون وحسده حب بني إسرائيل له وكان هارون أءلف بهم وألين وكان في موسى بعض الغلظة عليهم فلما بلغه ذلك قال : ويحكم إنه كان أخي أفتروني أقتله ؟ فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله فنزل بالسرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال : قسم رسول الله A ذات يوم قسما فقال رجل : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله فذكر ذلك للنبي A فاحمر وجهه ثم قال : رحمة الله على موسى لقد أوذي أكثر من هذا فصبر وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال : صلى بنا رسول الله A صلاة الظهر ثم قال : على مكانكم اثبتوا ثم أتى الرجال فقال : إن الله أمرني أن آمركم أن تتقوا الله وأن تقولوا قولا سديدا ثم أتى النساء فقال : إن الله أمرني أن آمركن أن تتقين الله وأن تقلن قولا سديدا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد عن ابن عباس في قوله : { إنا عرضنا الأمانة } الآية قال : الأمانة الفرائض عرضها الله على السموات والأرض والجبال إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ولكن تعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها وهو قوله : { وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } يعني غرا بأمر الله وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتبا الأضداد والحاكم وصححه عنه في الآية قال : عرضت على آدم فقيل خذها بما فيها فإن أطعت غفرت لك وإن عصيت عذبتك قال : قبلتها بما فيها فما كان إلا ما بين العصر إلى الليل من ذلك يوم حتى أصاب الذنب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه أيضا من طريق أخرى نحوه