أي ما كان ينبغي ولا يستقيم لبشر أن يقول هذه المقالة وهو متصف بتلك الصفة وفيه بيان من الله سبحانه لعباده أن النصارى افتروا على عيسى عليه السلام ما لم يصح عنه ولا ينبغي أن يقوله والحكم : الفهم والعلم قوله 79 - { ولكن كونوا } أي : ولكن يقول النبي : كونوا ربانيين والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة كما يقال لعظيم اللحية لحياني ولعظيم الجمة جماني ولغليظ الرقبة رقباني - قيل : الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره فكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور وقال المبرد : الربانيون أرباب العلم واحدهم رباني من قوله ربه يربه فهو بان : إذا دبره وأصلحه والياء للنسب فمعنى الرباني : العالم بدين الرب القوي المتمسك بطاعة الله وقيل : العالم الحكيم قوله { بما كنتم تعلمون } أي : بسبب كونكم عالمين : أي كونوا ربانيين بهذا السبب فإن حصول العلم للإنسان والدراسة له يتسبب عنهما الربانية التي هي التعليم للعلم وقوة التمسك بطاعة الله وقرأ ابن عباس وأهل الكوفة { بما كنتم تعلمون } بالتشديد وقرأ أبو عمرو وأهل المدينة بالتخفيف واختار القراءة الأولى أبو عبيد قال : لأنها لجمع المعنيين قال مكي : التشديد أبلغ لأن العالم قد يكون عالما غير معلم فالتشديد يدل على العلم والتعليم والتخفيف إنما يدل على العلم فقط واختار القراءة الثانية أبو حاتم قال أبو عمرو : وتصديقها تدرسون بالتخفيف دون التشديد انتهى والحاصل أن من قرأ بالتشديد لزمه أن يحمل الرباني على أمر زائد على العلم والتعليم وهو أن يكون مع ذلك مخلصا أو حكيما أو حليما حتى تظهر السببية ومن قرأ بالتخفيف جاز له أن يحمل الرباني على العالم الذي يعلم الناس فيكون المعنى : كونوا معلمين بسبب كونكم علماء وبسبب كونكم تدرسون العلم وفي هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل وإن من أعظم العمل بالعلم تعليمه والإخلاص لله سبحانه