هذا شروع في بيان شيء آخر مما جادلت فيه اليهود بالباطل وذلك أنهم قالوا : إن بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لكونه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة فرد الله ذلك عليهم بقوله 96 - { إن أول بيت وضع للناس } الآية فقوله { وضع } صفة لبيت وخبر إن قوله { للذي ببكة } فنبه تعالى بكونه أول متعبد على أنه أفضل من غيره وقد اختلف في الباني له في الابتداء فقيل الملائكة وقيل آدم وقيل إبراهيم ويجمع بين ذلك بأول من بناه الملائكة ثم جدده آدم ثم إبراهيم وبكة علم للبلد الحرام وكذا مكة وهما لغتان وقيل : إن بكة اسم لموضع البيت ومكة اسم للبلد الحرام وقيل : بكة للمسجد ومكة للحرم كله قيل : سميت بكة لازدحام الناس في الطواف يقال بك القوم : ازدحموا وقيل البك : دق العنق سميت بذلك لأنها كانت تدق أعناق الجبابرة وأما تسميتها بمكة فقيل : سميت بذلك لقلة مائها وقيل : لأنها تمك المخ من العظم بما ينال ساكنها من المشقة ومنه مككت العظم : إذا أخرجت ما فيه ومك الفصيل ضرع أمه وامتكه : إذا امتصه وقيل : سميت بذلك لأنها تمك من ظلم فيها : أي تهلكه قوله : { مباركا } حال من الضمير في وضع أو من متعلق الظرف لأن التقدير للذي استقر ببكة مباركا والبركة : كثرة الخير الحاصل لمن يستقر فيه أو يقصده أي : الثواب المتضاعف والآيات البينات والواضحات : منها الصفا والمروة ومنها أثر القدم في الصخرة الصماء ومنها أن الغيث إذا كان بناحية الركن اليماني كان الخصب في اليمن وإن كان بناحية الشامي كان الخصب بالشام وإذا عم البيت كان الخصب في جميع البلدان ومنها انحراف الطيور عن أن تمر على هوائه في جميع الأزمان ومنها هلاك من يقصده من الجبابرة وغير ذلك