سورة النساء .
هي مدنية كلها قال القرطبي : إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي وهي قوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } على ما سيأتي إن شاء الله قال النقاش : وقيل : نزلت عند هجرة رسول الله A من مكة إلى المدينة وعلى ما تقدم عن بعض أهل العلم أن قوله تعالى { يا أيها الناس } حيثما وقع فإنه مكي يلزم أن يكون هذه السورة مكيا وبه قال علقمة وغيره وقال النحاس : هذه الآية مكية قال القرطبي : والصحيح الأول فإن في صحيح البخاري عن عائشة أنها قالت : ما نزلت سورة النساء إلا وأنا عند رسول الله A يعني قد بنى بها ولا خلاف بين العماء أن النبي A إنما بنى بعائشة بالمدينة ومن تبين أحكامها علم أنها مدنية لا شك فيها قال : وأما من قال : { يا أيها الناس } مكي حيث وقع فليس بصحيح فإن البقرة مدنية وفيها { يا أيها الناس } في موضعين وقد أخرج ابن الضريس في فضائله والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : نزلت سورة النساء بالمدينة وفي إسناده العوفي وهو ضعيف وكذا أخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت وأخرجه ابن المنذر عن قتادة .
وقد ورد في فضل هذه السورة ما أخرجه الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن مسعود قال : إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } الآية { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } الآية { إن الله لا يغفر أن يشرك به } الآية { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } الآية ثم قال : هذا إسناد صحيح إن كان عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود سمع من أبيه وقد اختلف في ذلك وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن ابن مسعود قال : خمس آيات من النساء هن أحب إلي من الدنيا جميعا { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } الآية { وإن تك حسنة يضاعفها } الآية { إن الله لا يغفر أن يشرك به } الآية { من يعمل سوءا أو يظلم نفسه } الآية { والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم } الآية ورواه ابن جرير ثم روي من طريق صالح المري عن قتادة عن ابن عباس قال : ثمان آيات نزلت في سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت وذكر ما ذكره ابن مسعود وزاد { يريد الله ليبين لكم } الآية { والله يريد أن يتوب عليكم } الآية { يريد الله أن يخفف عنكم } الآية وأخرج أحمد وابن الضريس ومحمد بن نصر والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة أن النبي A قال : [ من أخذ السبع فهو حبر ] وأخرج البيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله A : [ أعطيت مكان التوراة السبع الطوال والمئين كل سورة بلغت مائة فصاعدا ] والمثاني كل سورة دون المئين وفوق المفصل وأخرج أبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أنس قال : [ وجد رسول الله A ذات ليلة شيئا فلما أصبح قيل : يا رسول الله إن أثر الوجع عليك لبين قال : أما إني على ما ترون بحمد الله قد قرات السبع الطوال ] وأخرج أحمد عن حذيفة قال : [ قمت مع رسول الله A فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات ] وأخرج عبد الرزاق عن بعض أهل النبي A [ أن النبي A قرأ بالسبع الطوال في ركعة واحدة ] وأخرج الحاكم عن ابن عباس أنه قال : [ سلوني عن سورة النساء فإني قرأت القرآن وأنا صغير ] قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عنه قال : [ من قرأ سورة النساء فعلم ما يحجب مما لا يحجب علم الفرائض ] .
المراد بالناس الموجودون عند الخطاب من بني آدم ويدخل من سيوجد بدليل خارجي وهو الإجماع على أنهم مكلفون بما كلف به الموجودون أو تغليب الموجودين على من لم يوجد كما غلب الذكور على الإناث في قوله { اتقوا ربكم } لاختصاص ذلك بجمع المذكر والمراد بالنفس الواحدة هنا آدم وقرأ ابن أبي عبلة واحد بغير هاء على مراعاة المعنى فالتأنيث باعتبار اللفظ والتذكير باعتبار المعنى قوله 1 - { وخلق منها زوجها } قيل : هو معطوف على مقدر يدل عليه الكلام : أي خلقكم من نفس واحدة خلقها أولا وخلق منها زوجها وقيل : على خلقكم فيكون الفعل الثاني داخلا مع الأول في حيز الصلة والمعنى : وخلق من تلك النفس التي هي عبارة عن آدم زوجها وهي حواء وقد تقدم في البقرة معنى التقوى والرب والزوج والبث والضمير في قوله { منها } راجع إلى آدم وحواء المعبر عنها بالنفس والزوج وقوله { كثيرا } وصف مؤكد لما تفيده صيغة الجمع لكونها من جموع الكثرة وقيل : هو نعت لمصدر محذوف : أي بثا كثيرا وقوله { ونساء } أي كثيرة وترك التصريح به استغناء بالوصف الأول قوله { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } قرأ أهل الكوفة بحذف التاء الثانية وأصله تتساءلون تخفيفا لاجتماع المثلين وقرأ أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بإدغام التاء في السين والمعنى : يسأل بعضكم بعضا بالله والرحم فإنهم كانوا يقرنون بينهما في السؤال والمناشدة فيقولون : أسألك بالله والرحم وأنشدك الله والرحم وقرأ النخعي وقتادة والأعمش وحمزة { والأرحام } بالجر وقرأ الباقون بالنصب .
وقد اختلف أئمة النحو في توجيه قراءة الجر فأما البصريون فقالوا : هي لحن لا تجوز القراءة بها وأما الكوفيون فقالوا : هي قراءة قبيحة قال سيبويه في توجيه هذا القبح : إن المضمر المجرور بمنزلة التنوين والتنوين لا يعطف عليه وقال الزجاج وجماعة بقبح عطف الاسم الظاهر على المضمر في الخفض إلا بإعادة الخافض كقوله تعالى { فخسفنا به وبداره الأرض } وجوز سيبويه ذلك في ضرورة الشعر وأنشد : .
( فاليوم قربت تهجونا وتمدحنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب ) .
ومثله قول الآخر : .
( تعلق في مثل السواري سيوفنا ... وما بينها والكعب بهو نفانف ) .
بعطف الكعب على الضمير في بينها وحكى أبو علي الفارسي أن المبرد قال : لو صليت خلف إمام يقرأ { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } بالجر لأخذت نعلي ومضيت وقد رد الإمام أبو نصر القشيري ما قاله القادحون في قراءة الجر فقال : ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء أثبتت عن النبي A تواترا ولا يخفى عليك أن دعوى التواتر باطلة يعرف ذلك من يعرف الأسانيد التي رووها بها ولكن ينبغي أن يحتج للجواز بورود ذلك في أشعار العرب كما تقدم وكما في قوله بعضهم : .
( وحسبك والضحاك سيف مهند ) .
وقول الآخر : .
( وقد رام آفاق السماء فلم يجد ... له مصعدا فيها ولا الأرض مقعدا ) .
وقول الآخر : .
( ما إن بها والأمور من تلف ) .
وقول الآخر : .
( أكر على الكتيبة لست أدري ... أحتفي كان فيها أم سواها ) .
فسواها في موضع جر عطفا على الضمير في فيها ومنه قوله تعالى { وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين } وأما قراءة النصف فمعناها واضح جلي لأنه عطف الرحم على الاسم الشريف : أي اتقوا الله واتقوا الأرحام فلا تقطعوها فإنها مما أمر الله به ان يوصل وقيل : إنه عطف على محل الجار والمجرور في قوله { به } كقولك مررت بزيد وعمرا : أي اتقوا الله الذي تساءلون به وتتساءلون بالأرحام والأول أولى وقرأ عبد الله بن يزيد والأرحام بالرفع على الابتداء والخبر مقدر : أي والأرحام صلوها أو والأرحام أهل أن توصل وقيل : إن الرفع على الإغراء عند من يرفع به ومنه قول الشاعر : .
( إن قوما منهم عمير وأشبا ... ه عمير ومنهم السفاح ) .
( لجديرون باللقاء إذا قا ... ل أخ النجدة السلاح السلاح ) .
والأرحام : اسم لجميع الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره لا خلاف في هذا بين أهل الشرع ولا بين أهل اللغة وقد خصص أبو حنيفة وبعض الزيدية الرحم بالمحرم في منع الرجوع في الهبة مع موافقتهم على أن معناها أعم ولا وجه لهذا التخصيص قال القرطبي : اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة انتهى وقد وردت بذلك الأحاديث الكثيرة الصحيحة والرقيب : المراقب وهي صيغة مبالغة يقال : رقبت أرقب رقبة ورقبانا : إذا انتظرت