قوله : 35 - { وإن كان كبر عليك إعراضهم } كان النبي A يكبر عليه إعراض قومه ويتعاظمه ويحزن له فبين له الله سبحانه أن هذا الذي وقع منهم من توليهم عن الإجابة له والإعراض عما دعا إليه هو كائن لا محالة لما سبق في علم الله D وليس في استطاعته وقدرته إصلاحهم وإجابتهم قبل أن يأذن الله بذلك ثم علق ذلك بما هو محال فقال : { فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية } { أو سلما في السماء فتأتيهم بآية } منها فافعل ولكنك لا تستطيع ذلك فدع الحزن و { لا تذهب نفسك عليهم حسرات } و { لست عليهم بمصيطر } والنفق : السرب والمنفذ ومنه النافقاء لجحر اليربوع ومنه المنافق وقد تقدم في البقرة ما يغني عن الإعادة والسلم : الدرج الذي يرتقي عليه وهو مذكر لا يؤنث وقال الفراء : إنه يؤنث قال الزجاج : وهو مشتق من السلامة لأنه يسلك به إلى موضع الأمن وقيل : إن الخطاب وإن كان لرسول الله A فالمراد به أمته لأنها كانت تضيق صدورهم بتمرد الكفرة وتصميمهم على كفرهم ولا يشعرون أن لله سبحانه في ذلك حكمة لا تبلغها العقول ولا تدركها الأفهام فإن الله سبحانه لو جاء لرسوله A بآية تضطرهم إلى الإيمان لم يبق للتكليف الذي هو الابتلاء والامتحان معنى ولهذا قال : { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } جمع إلجاء وقسر ولكنه لم يشأ ذلك ولله الحكمة البالغة { فلا تكونن من الجاهلين } فإن شدة الحرص والحزن لإعراض الكفار عن الإجابة قبل أن يأذن الله بذلك هو صنيع أهل الجهل ولست منهم فدع الأمور مفوضة إلى عالم الغيب والشهادة فهو أعلم بما فيه المصلحة ولا تحزن لعدم حصول ما يطلبونه من الآيات التي لو بدا لهم بعضها لكان إيمانهم بها اضطرارا