أن ينسبه إلى العجلة وقلة الوقار فإن غاب الرجل عاد إلى عجلته فإذا رآه عاد إلى خشوعه ولم يحضره ذكر الله حتى يكون يجدد الخشوع له بل هو لاطلاع إنسان عليه يخشى أن لا يعتقد فيه أنه من العباد والصلحاء ومنهم من إذا سمع هذا استحيا من أن تخالف مشيته في الخلوة مشيته بمرأى من الناس فيكلف نفسه المشية الحسنة في الخلوة حتى إذا رآه الناس لم يفتقر إلى التغيير ويظن أنه يتخلص به عن الرياء وقد تضاعف به رياؤه فإنه صار في خلوته أيضا مرائيا فإنه إنما يحسن مشيته في الخلوة ليكون كذلك في الملأ لا لخوف من الله وحياء منه .
وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالتبختر والاختيال وتحريك اليدين وتقريب الخطا والأخذ بأطراف الذيل وإرادة العطفين ليدلوا بذلك على الجاه والحشمة .
الخامس المراءاة بالأصحاب والزائرين والمخالطين كالذي يتكلف أن يستزير عالما من العلماء ليقال إن فلانا قد زار فلانا أو عابدا من العباد ليقال إن أهل الدين يتبركون بزيارته ويترددون إليه أو ملكا من الملوك أو عاملا من عمال السلطان ليقال إنهم يتبركون به لعظم رتبته في الدين .
وكالذي يكثر ذكر الشيوخ ليرى أنه لقي شيوخا كثيرة واستفاد منهم فيباهي بشيوخه ومباهاته ومراءاته تشرشح منه عند مخاصمته فيقول لغيره من لقيت من الشيوخ وأنا قد لقيت فلانا وفلانا ودرت البلاد وخدمت الشيوخ وما يجري مجراه فهذه مجامع ما يرائي به المراءون وكلهم يطلبون بذلك الجاه والمنزلة في قلوب العباد .
ومنهم من يقنع بحسن الاعتقادات فيه فكم من راهب انزوى إلى ديره سنين كثيرة وكم من عابد اعتزل إلى قلة جبل مدة مديدة وإنما خبأته من حيث علمه بقيام جاهه في قلوب الخلق ولو عرف أنهم نسبوه إلى جريمة في ديره أو صومعته لتشوش قلبه ولم يقنع بعلم الله ببراءة ساحته بل يشتد لذلك غمه ويسعى بكل حيلة في إزالة ذلك من قلوبهم مع أنه قد قطع طمعه من أموالهم ولكنه يحب مجرد الجاه فإنه لذيذ كما ذكرناه في أسبابه فإنه نوع قدرة وكمال في الحال وإن كان سريع الزوال لا يغتر به إلا الجهال ولكن أكثر الناس جهال ومن المرائين من لا يقنع بقيام منزلته بل يلتمس من ذلك إطلاق اللسان بالثناء والحمد .
ومنهم من يريد انتشار الصيت في البلاد لتكثر الرحلة إليه .
ومنهم من يريد الاشتهار عند الملوك لتقبل شفاعته وتنجز الحوائج على يده فيقوم له بذلك جاه عند العامة ومنهم من يقصد التوصل بذلك إلى جمع حطام وكسب مال ولو من الأوقاف وأموال اليتامى وغير ذلك من الحرام وهؤلاء شر طبقات المرائين الذين يراءون بالأسباب التي ذكرناها .
فهذه حقيقة الرياء وما به يقع الرياء .
فإن قلت فالرياء حرام أو مكروه أو مباح أو فيه تفصيل فأقول فيه تفصيل فإن الرياء هو طلب الجاه وهو إما أن يكون بالعبادات أو بغير العبادات فإن كان بغير العبادات فهو كطلب المال فلا يحرم من حيث إنه طلب منزلة في قلوب العباد ولكن كما يمكن كسب المال بتلبيسات وأسباب محظورات فكذلك الجاه وكما أن كسب قليل من المال هو ما يحتاج إليه الإنسان محمود فكسب قليل من الجاه وهو ما يسلم به عن الآفات أيضا محمود وهو الذي طلبه يوسف عليه السلام حيث قال إني حفيظ عليم وكما أن المال فيه سم ناقع ودرياق نافع فكذلك الجاه وكما أن كثير المال يلهى ويطفى وينسى ذكر الله والدار الآخرة فكذلك كثير الجاه بل أشد وفتنة الجاه أعظم من فتنة المال وكما أنا نقول تملك المال الكثير حرام فلا نقول أيضا تملك القلوب الكثيرة حرام إلا إذا حملته كثرة المال وكثرة الجاه على مباشرة ما لا يجوز .
نعم انصراف الهم إلى سعة الجاه مبدأ الشرور كانصراف الهم إلى كثرة المال ولا يقدر محب الجاه والمال على ترك معاصي القلب واللسان وغيرها وأما سعة