الخلق علم أن الله أطلعهم وأظهر الجميل من أحواله فيستدل به على حسن صنع الله به ونظره إليه وإلطافه به فإنه يستر الطاعة والمعصية ثم الله يستر عليه المعصية ويظهر الطاعة ولا لطف أعظم من ستر القبيح وإظهار الجميل فيكون فرحه بجميل نظر الله له لا بحمد الناس وقيام المنزلة في قلوبهم وقد قال تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا فكأنه ظهر له أنه عند الله مقبول ففرح به .
الثاني أن يستدل بإظهار الله الجميل وستره القبيح عليه في الدنيا أنه كذلك يفعل في الآخرة إذ قال رسول الله A ما ستر الله على عبد ذنبا في الدنيا إلا ستره عليه في الآخرة // حديث ما ستر الله على عبد ذنبا في الدنيا إلا ستره عليه في الآخرة أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة .
فيكون الأول فرحا بالقبول في الحال من غير ملاحظة المستقبل وهذا التفات إلى المستقبل .
الثالث أن يظن رغبة المطلعين على الاقتداء به في الطاعة فيتضاعف بذلك أجره فيكون له أجر العلانية بما أظهر آخرا وأجر السر بما قصده أولا ومن اقتدى به في طاعة فله مثل أجر أعمال المقتدين به من غير أن ينقص من أجورهم شيء وتوقع ذلك جدير بأن يكون سبب السرور فإن ظهور مخايل الربح لذيذ وموجب للسرور لا محالة .
الرابع أن يحمده المطلعون على طاعته فيفرح بطاعتهم لله في مدحهم وبحبهم للمطيع وبميل قلوبهم إلى الطاعة إذا من أهل الإيمان من يرى أهل الطاعة فيمقته ويحسده أو يذمه ويهزأ به أو ينسبه إلى الرياء ولا يحمده عليه فهذا فرح بحسن إيمان عباد الله .
وعلامة الإخلاص في هذا النوع أن يكون فرحه بحمده غيره مثل فرحه بحمدهم إياه .
وأما المذموم وهو الخامس فهو أن يكون فرحه لقيام منزلته في قلوب الناس حتى يمدحوه ويعظموه ويقوموا بقضاء حوائجه ويقابلوه بالإكرام في مصادره وموارده فهذا مكروه والله تعالى أعلم .
بيان ما يحبط العمل من الرياء الخفي والجلي وما لا يحبط .
فنقول فيه إذا عقد العبد العبادة على الإخلاص ثم ورد عليه وارد الرياء فلا يخلو إما أن يرد عليه بعد فراغه من العمل أو قبل الفراغ فإن ورد بعد الفراغ سرور مجرد بالظهور من غير إظهار فهذا لا يفسد العمل إذ العمل قد تم على نعت الإخلاص سالما عن الرياء فما يطرأ بعده فيرجو أن لا ينعطف عليه أثر لا سيما إذا لم يتكلف هو إظهاره والتحدث به ولم يتمن إظهاره وذكره ولكن اتفق ظهوره بإظهار الله ولم يكن منه إلا ما دخل من السرور والارتياح على قلبه .
نعم لو تم العمل على الإخلاص من غير عقد رياء ولكن ظهرت له بعده رغبة في الإظهار فتحدث به فهذا مخوف .
وفي الآثار والأخبار ما يدل على أنه يحبط فقد روي عن ابن مسعود أنه سمع رجلا يقول قرأت البارحة البقرة فقال ذلك حظه منها .
وروي عن رسول الله A أنه قال لرجل قال له صمت الدهر يا رسول الله .
فقال له ما صمت ولا أفطرت // حديث قال لرجل قال صمت الدهر قال ما صمت ولا أفطرت أخرجه مسلم من حديث أبي قتادة قال عمر يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر قال لا صام ولا أفطر وللطبراني من حديث أسماء بنت يزيد في أثناء حديث فيه فقال رجل إني صائم قال بعض القوم إنه لا يفطر إنه يصوم كل يوم قال النبي A لا صام ولا أفطر من صام الأبد ولم أجده بلفظ الخطاب .
فقال بعضهم إنما قال ذلك لأنه أظهره وقيل هو إشارة إلى كراهة صوم الدهر .
وكيفما كان فيحتمل أن يكون ذلك من رسول الله A ومن ابن مسعود استدلالا على أن قلبه عند العبادة لم يخل عن عقد الرياء وقصده له لما أن ظهر منه التحدث به إذ يبعد أن يكون ما يطرأ بعد العمل مبطلا لثواب العمل بل الأقيس أن يقال إنه مثاب على عمله الذي مضى ومعاقب على مراءاته بطاعة الله بعد الفراغ منها