فكذلك تذكر الذنب قد يكون محركا للشهوة فالمبتدى أيضا قد يستضر به فيكون النسيان أفضل له عند ذلك ولا يصدنك عن التصديق بهذا التحقيق ما يحكى لك من بكاء داود ونياحته عليه السلام فإن قياسك نفسك على الانبياء قياس فى غاية الاعوجاج لأنهم قد ينزلون فى أقوالهم وأفعالهم إلى الدرجات اللائقة بأممهم فإنهم ما بعثوا إلا لإرشادهم فعليهم التلبس بما تنتفع أممهم بمشاهدته وإن كان ذلك نازلا عن ذروة مقامهم فلقد كان فى الشيوخ من لا يشير على مريده بنوع رياضة إلا ويخوض معه فيها وقد كان مستغنيا عنها لفراغه عن المجاهدة وتأديب النفس تسهيلا للأمر على المريد ولذلك قال Aأما إنى لا أنسى ولكنى أنسى لأشرع // حديث أما إنى لا أنسى ولكنى أنسى لأشرع ذكره مالك بلاغا بغير إسناد وقال ابن عبد البر لا يوجد فى الموطأ إلا مرسلا لا إسناد له وكذا قال حمزة الكتانى إنه لم يرد من غير طريق مالك وقال أبو طاهر الأنماطى وقد طال بحثى عنه وسؤالى عنه للأئمة والحفاظ فلم أظفر به ولا سمعت عن أحد أنه ظفر به قال وادعى بعض طلبه الحديث أنه وقع له مسندا // وفى لفظ إنما اسهو لأسن ولا تعجب من هذا فإن الأمم فى كنف شفقة الأنبياء كالصبيان فى كنف شفقة الآباء وكالمواشى فى كنف الرعاة .
أما ترى الأب إذا أراد أن يستنطق ولده الصبى كيف ينزل إلى درجه نطق الصبى كما قال A للحسن كخ كخ // حديث أنه قال للحسن كخ كخ لما أخذ تمرة من الصدقة ووضعها فى فيه أخرجه البخاري من حديث أبى هريرة وتقدم فى كتاب الحلال والحرام // لما أخذ تمرة من تمر الصدقة ووضعها فى فيه وما كانت فصاحته تقصر عن أن يقول ارم هذه التمرة فإنها حرام ولكنه لما علم أنه لا يفهم منطقة ترك الفصاحة ونزل إلى لكنته بل الذى يعلم شاة أو طائرا يصوت به رغاء أو صفيرا تشبها بالبهيمة والطائر تلطفا فى تعليمه فإياك أن تغفل عن أمثال هذه الدقائق إنها مزلة أقدام العارفين فضلا عن الغافلين نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه .
بيان أقسام العباد فى دوام التوبة .
اعلم أن التائبين فى التوبة على أربع طبقات الطبقة الاولى أن يتوب العاصى ويستقيم على التوبة إلى آخر عمره فيتدارك ما فرط من أمره ولا يحدث نفسه بالعود إلى ذنوبه إلا الزلات التى لا ينفك البشر عنها فى العادات مهما لم يكن فى رتبه النبوة فهذا هو الاستقامة على التوبة وصاحبه هو السابق بالخيرات المستبدل بالسيئات حسنات واسم هذه التوبة التوبة النصوح واسم هذه النفس الساكنة النفس المطمئنة التى ترجع إلى ربها راضية مرضية وهؤلاء هم الذين إليهم الإشارة بقوله Aسبق المفردون المستهترون بذكر الله تعالى وضع الذكر عنهم اوزارهم فوردوا القيامة خفافا // حديث سبق المفردون المستهترون بذكر الله الحديث أخرجه الترمذى من حديث أبى هريرة وحسنة وقد تقدم // فإن فيه إشارة إلى أنهم كانوا تحت أوزار وضعها الذكر عنهم وأهل هذه الطبقة على رتب من حيث النزوع إلى الشهوات فمن تائب سكنت شهواته تحت قهر المعرفة ففتر نزاعها ولم يشغله عن السلوك صرعها وإلى من لا ينفك عن منازعة النفس ولكنه ملى بمجاهدتها وردها ثم تتفاوت درجات النزاع أيضا بالكثرة والقلة وباختلاف المدة وباختلاف الأنواع وكذلك يختلفون من حيث طول العمر فمن مختطف يموت قريبا من توبته يغبط على ذلك لسلامته وموته قبل الفترة ومن ممهل طال جهاده وصبره وتمادت استقامته وكثرت حسناته وحال هذا أعلى وأفضل إذ كل سيئة فإنما تمحوها حسنة حتى قال بعض العلماء إنما يكفر الذنب الذى ارتكبه العاصى أن يتمكن منه عشر مرات مع صدق الشهوة ثم يصبر عنه ويكسر شهوته خوفا من الله تعالى واشتراط هذا بعيد وإن كان لا ينكر عظم أثره لو فرض ولكن لا ينبغى للمريد الضعيف أن يسلك هذا الطريق فتهيج الشهوة وتحضر الأسباب حتى يتمكن ثم يطمع فى الانكفاف فإنه لا يؤمن خروج عنان الشهوة عن