الرجاء لأن غيرهم أيضا قد يرجو ولكن خصص بهم استحقاق الرجاء فأما من ينهمك فيما يكرهه الله تعالى ولا يذم نفسه عليه ولا يعزم على التوبة والرجوع فرجاؤه المغفرة حمق كرجاء من بث البذر في أرض سبخة وعزم على أن لا يتعهده بسقى ولا تنقية .
قال يحيى بن معاذ من أعظم الإغترار عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة وتوقع القرب من الله تعالى بغير طاعة وانتظار زرع الجنة ببذر النار وطلب دار المطيعين بالمعاصي وانتظار الجزاء بغير عمل والتمني على الله D مع الإفراط .
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس .
فإذا عرفت حقيقة الرجاء ومظنته فقد علمت أنها حالة أثمرها العلم بجريان أكثر الأسباب وهذه الحالة تثمر الجهد للقيام ببقية الأسباب على حسب الإمكان فإن من حسن بذره وطابت أرضه وغزر ماؤه صدق رجاؤه فلا يزال يحمله صدق الرجاء على تفقد الأرض وتعهدها وتنحية كل حشيش ينبت فيها فلا يفتر عن تعهدها أصلا إلى وقت الحصاد وهذا لأن الرجاء يضاده اليأس واليأس يمنع من التعهد فمن عرف أن الأرض سبخة وأن الماء معوز وأن البذر لا ينبت فيترك لا محالة تفقد الأرض والتعب في تعهدها والرجاء محمود لأنه باعث واليأس مذموم وهو ضده لأنه صارف عن العمل والخوف ليس بضد للرجاء بل هو رفيق له كما سيأتي بيانه بل هو باعث آخر بطريق الرهبة كما أن الرجاء باعث بطريق الرغبة فإذن حال الرجاء يورث طول المجاهدة بالأعمال والمواظبة على الطاعات كيفما تقلبت الأحوال ومن آثاره التلذذ بدوام الإقبال على الله تعالى والتنعم بمناجاته والتلطف في التملق له فإن هذه الأحوال لابد وأن تظهر على كل من يرجو ملكا من الملوك أو شخصا من الأشخاص فكيف لا يظهر ذلك في حق الله تعالى فإن كان لا يظهر فليستدل به على الحرمان عن مقام الرجاء والنزول في حضيض الغرور والتمنى فهذا هو البيان لحال الرجاء ولما أثمره من العلم ولما استثمر منه من العمل ويدل على إثماره لهذه الأعمال حديث زيد الخيل إذ قال لرسول الله A جئت لأسألك عن علامة الله فيمن لا يريد وعلامته فيمن لا يريد فقال كيف أصبحت قال أصحبت أحب الخير وأهله وإذا قدرت على شىء منه سارعت إليه وأيقنت بثوابه وإذا فاتني منه شيىء حزنت عليه وحننت إليه .
فقال هذه علامة الله فيمن يريد ولو أرادك للأخرى هيأك لها ثم لا يبالى في أي أوديتها هلكت فقد ذكر A علامة من أريد به الخير فمن ارتجى أن يكون مرادا بالخير من غير هذه العلامات فهو مغرور // حديث قال زيد الخيل جئت لأسألك عن علامة الله فيمن يريد وعلامته فيمن لا يريد الحديث أخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن مسعود بسند ضعيف وفيه أنه قال أنت زيد الخير وكذا قال ابن أبي حاتم سماه النبي A زيد الخير يروى عنه حديث وذكره في حديث يروى فقال زيد الخير فقال يا رسول الله الحديث سمعت أبي يقول ذلك .
بيان فضيلة الرجاء والترغيب فيه .
اعلم أن العمل على الرجاء أعلى منه على الخوف لأن أقرب العباد إلى الله تعالى أحبهم له والحب يغلب الرجاء واعتبر ذلك بملكين يخدم أحداهما خوفا من عقابه والآخر رجاء لثوابه ولذلك ورد في الرجاء وحسن الظن رغائب لا سيما في وقت الموت قال تعالى لا تقنطوا من رحمة الله فحرم أصل اليأس وفي أخبار يعقوب عليه السلام أن الله تعالى أوحى إليه .
أتدري لم فرقت بينك وبين يوسف لأنك قلت أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون لم خفت الذئب ولم ترجني ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظى له .
وقال A