حتى آخذه وإلا فلا وأمارة هذا أن يشق عليه الرد لو رده ويفرح بالقبول ويرى المنة على نفسه فى قبول صديقه هديته فإن علم أنه يمازجه منة فأخذه مباح ولكنه مكروه عند الفقراء الصادقين .
وقال بشر ما سألت أحدا قط شيئا إلا سريا السقطى لأنه قد صح عندي زهده في الدنيا فهو يفرح بخروج الشيء من يده ويتبرم ببقائه عنده فأكون عونا له على ما يحب .
وجاء خراساني إلى الجنيد C بمال وسأله أن يأكله فقال أفرقه على الفقراء فقال ما أريد هذا قال ومتى أعيش حتى آكل هذا قال ما أريد أن تنفقه فى الخل والبقل بل في الحلاوات والطيبات فقبل ذلك منه فقال الخراسانى ما أجد فى بغداد أمن على منك فقال الجنيد ولا ينبغى أن يقبل إلا من مثلك .
الثانى أن يكون للثواب المجرد وذلك صدقة أو زكاة فعليه أن ينظر فى صفات نفسه هل هو مستحق للزكاة فإن اشتبه عليه فهو محل شبهة وقد ذكرنا تفصيل ذلك فى كتاب أسرار الزكاة .
وإن كانت صدقة وكان يعطيه لدينه فلينظر إلى باطنه فإن كان مقارفا لمعصية فى السر يعلم أن المعطى لو علم ذلك لنفر طبعه ولما تقرب إلى الله بالتصدق عليه فهذا حرام أخذه كما لو أعطاه لظنه أنه عالم أو علوى ولم يكن فإن أخذه حرام محض لا شبهة فيه .
الثالث أن يكون غرضه السمعة والرياء والشهرة فينبغي أن يرد عليه قصده الفاسد ولا يقبله إذ يكون معينا له على غرضه الفاسد .
وكان سفيان الثوري يرد ما يعطي ويقول لو علمت أنهم لا يذكرون ذلك افتخارا به لأخذت وعوتب بعضهم في رد ما كان يأتيه من صلة فقال إنما أرد صلتهم إشفاقا عليهم ونصحا لهم لأنهم يذكرون ذلك ويحبون أن يعلم به فتذهب أموالهم وتحبط أجورهم .
وأما غرضه في الأخذ فينبغي أن ينظر أهو محتاج إليه فيما لا بد منه أو هو مستغن عنه فإن كان محتاجا إليه وقد سلم من الشبهة والآفات التي ذكرناها في المعطي فالأفضل له الأخذ قال النبي A ما المعطي من سعة بأعظم أجرا من الآخذ إذا كان محتاجا // حديث ما المعطي من سعة بأعظم أجرا من الآخذ إذا كان محتاجا رواه الطبراني من حديث ابن عمر وقد تقدم في الزكاة // وقالA من أتاه شيء من هذا المال من غير مسألة ولا استشراف فإنما هو رزق ساقه الله إليه // حديث من أتاه شيء من هذا المال من غير مسألة ولا استشراف فإنما هو رزق ساقه الله إليه // وفي لفظ آخر فلا يرده .
وقال بعض العلماء من أعطى ولم يأخذ سأل ولم يعط .
وقد كان سرى السقطي يوصل إلى أحمد بن حنبل رحمة الله عليهما شيئا فرده مرة فقال له السري يا أحمد احذر آفة الرد فإنها أشد من آفة الأخذ فقال له أحمد أعد على ما قلت فأعاده فقال أحمد ما رددت عليك إلا لأن عندي قوت شهر فاحسبه لي عندك فإذا كان بعد شهر فأنفذه إلي وقد قال بعض العلماء يخاف في الرد مع الحاجة عقوبة من ابتلاء بطمع أو دخول في شبهة أو غيره فأما إذا كان ما أتاه زائدا على حاجته فلا يخلو إما أن يكون حاله الاشتغال بنفسه أو التكفل بأمور الفقراء والإنفاق عليهم لما في طبعه من الرفق والسخاء فإن كان مشغولا بنفسه فلا وجه لأخذه وإمساكه إن كان طالبا طريق الآخرة فإن ذلك محض اتباع الهوى وكل عمل ليس لله فهو سبيل الشيطان أو داع إليه ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ثم له مقامان أحدهما أن يأخذ في العلانية ويرد في السر أو يأخذ في العلانية ويفرق في السر وهذا مقام الصديقين وهو شاق على النفس لا يطيقه إلا من أطمأنت نفسه بالرياضة والثاني أن يترك ولا يأخذ ليصرفه صاحبه إلى من هو أحوج منه أو يأخذ ويوصل إلى من هو أحوج منه فيفعل كليهما في السر أو كليهما في العلانية وقد ذكرنا هل الأفضل إظهار