التوكل على الله تعالى وأما الأسخياء فهم أهل حسن الظن بالله تعالى وأما الأغنياء فهم أهل الانقطاع إلى الله تعالى فإذن مهما وجدت هذه الشروط فيه وفي المال وفي المعطي فليأخذه وينبغي أن يرى ما يأخذه من الله لا من المعطي لأن المعطي واسطة قد سخر للعطاء وهو مضطر إليه بما سلط عليه من الدواعي والإوادات والاعتقادات وقد حكى أن بعض الناس دعا شقيقا في خمسين من أصحابه فوضع الرجل مائدة حسنة فلما قعد قال لأصحابه إن هذا الرجل يقول من لم يرن صنعت هذا الطعام وقدمته فطعامي عليه حرام فقاموا كلهم وخرجوا إلا شابا منهم كان دونهم في الدرجة فقال صاحب المنزل لشقيق ما قصدت بهذا قال أردت أن أختبر توحيد أصحابي كلهم .
وقال موسى عليه السلام يا رب جعلت رزقي هكذا على أيدي بني إسرائيل يغديني هذا يوما ويعشيني هذا ليلة فأوحى الله تعالى إليه هكذا أصنع بأوليائي أجري أرزاقهم على أيدي البطالين من عبادي ليؤجروا فيهم .
فلا ينبغي أن يرى المعطي إلا من حيث إنه مسخر مأجور من الله تعالى نسأل الله حسن التوفيق لما يرضاه .
بيان تحريم السؤال من غير ضرورة وآداب الفقير المضطر فيه .
إعلم أنه قد وردت مناه كثيرة في السؤال وتشديدات وورد فيه أيضا ما يدل على الرخصة إذ قال A للسائل حق ولو جاء على فرس // حديث للسائل حق وإن جاء على فرس رواه أبو داود من حديث الحسين بن علي ومن حديث علي // وفي الحديث ردوا السائل ولو بظلف محرق // حديث ردوا السائل ولو بظلف محرق رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي واللفظ له من حديث أم مجيد وقال ابن عبد البر حديث مضطرب // ولو كان السؤال حراما مطلقا لما جاز إعانة المتعدي على عدوانه والإعطاء إعانة فالكاشف للغطاء فيه أن السؤال حرام في الأصل وإنما يباح بضرورة أو حاجة مهمة قريبة من الضرورة فإن كان عنها فهو حرام وإنما قلنا إن الأصل فيه التحريم لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور محرمة .
الأول إظهار الشكوى من الله تعالى إذ السؤال إظهار للفقر وذكر لقصور نعمة الله تعالى عنه وهو عين الشكوى وكما أن العبد المملوك لو سأل لكان سؤاله تشنيعا على سيده فكذلك سؤال العباد تشنيع على الله تعالى وهذا ينبغي أن يحرم ولا يحل إلا لضرورة كما تحل الميتة .
الثاني ان فيه إذلال السائل نفسه لغير الله تعالى وليس للمؤمن أن يذل نفسه لغير الله بل عليه أن يذل نفسه لمولاه فإن فيه عزة فأما سائر الخلق فإنهم عباد أمثاله فلا ينبغي أن يذل لهم إلا لضرورة وفي السؤال ذل للسائل بالإضافة إلى المسئول .
الثالث أنه لا ينفك عن إيذاء المسئول غالبا لأنه ربما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيب قلب منه فإن بذل حياء من السائل أو رياء فهو حرام على الآخذ وإن منع ربما استحيا وتأذى في نفسه بالمنع إذ يرى نفسه في صورة البخلاء ففي البذل نقصان ماله وفي المنع نقصان جاهه وكلاهما مؤذيان والسائل هو السبب في الإيذاء والإيذاء حرام إلا بضرورة .
ومهما فهمت هذه المحذورات الثلاث فقد فهمت قوله A مسألة الناس من الفواحش ما أحل من الفواحش غيرها // حديث مسئلة الناس من الفواحش وما أحل الله من الفواحش غيرها // فانظر كيف سماها فاحشة ولا يخفى أن الفاحشة إنما تباح