ما لهؤلاء من خلاق ولو رأوا أشراركم قالوا ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب وكان أحدهم يعرض لهم المال الحلال فلا يأخذه ويقول أخاف أن يفسد على قلبى فمن كان له قلب فهو لا محالة يخاف من فساده والذين أمات حب الدنيا قلوبهم فقد أخبر الله عنهم إذ قال تعالى ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون وقال D ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا .
وقال تعالى فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم فأحال ذلك كله على الغفلة وعدم العلم ولذلك قال رجل لعيسى عليه السلام احملنى معك في سياحتك فقال اخرج مالك والحقني .
فقال لا أستطيع فقال عيسى عليه السلام بعجب يدخل الغنى الجنة أو قال بشدة وقال بعضهم ما من يوم ذر شارقه إلا وأربعة أملاك ينادون في الآفاق بأربعة أصوات ملكان بالمشرق وملكان بالمغرب يقول أحدهم بالمشرق يا باغى الخير هلم ويا باغى الشر أقصر ويقول الآخر اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا ويقول اللذان بالمغرب أحدهما لدوا للموت وابنوا للخراب .
ويقول الآخر كلوا وتمتعوا لطول الحساب .
بيان علامات الزهد اعلم أنه قد يظن أن تارك المال زاهد وليس كذلك .
فإن ترك المال وإظهار الخشونة سهل على من أحب المدح بالزهد فكم من الرهابين من ردوا أنفسهم كل يوم إلى قدر يسير من الطعام ولازموا ديرا لا باب له وإنما مسرة أحدهم معرفة الناس حاله ونظرهم إليه ومدحهم له فذلك لا يدل على الزهد دلالة قاطعة بل لا بد من الزهد في المال والجاه جميعا حتى يكمل الزهد في جميع حظوظ النفس من الدنيا بل قد يدعى جماعة الزهد مع لبس الأصواف الفاخرة والثياب الرفيعة كما قال الخواص في وصف المدعين إذ قال وقوم ادعوا الزهد ولبسوا الفاخر من اللباس يموهون بذلك على الناس ليهدى إليهم مثل لباسهم لئلا ينظر إليهم بالعين التى ينظر بها إلى الفقراء فيحتقروا فيعطوا كما تعطى المساكين ويحتجون لنفوسهم بأتباع العلم وأنهم على السنة وأن الأشياء داخلة إليهم وهم خارجون منها وإنما يأخذون بعلة غيرهم .
هذا إذا طولبوا بالحقائق وألجئوا إلى المضايق وكل هؤلاء أكلة الدنيا بالدين لم يعنوا بتصفية أسرارهم ولا بتهذيب أخلاق نفوسهم فظهرت عليهم صفاتهم فغلبتهم فادعوها حالا لهم فهم مائلون إلى الدنيا متبعون الهوى .
فهذا كله كلام الخواص C فإذن معرفة الزهد أمر مشكل بل حال الزهد على الزاهد مشكل .
وينبغى أن يعول في باطنه على ثلاث علامات العلامة الأولى أن لا يفرح بموجود ولا يحزن على مفقود كما قال تعالى لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم بل ينبغى أن يكون بالضد من ذلك وهو أن يحزن بوجود المال ويفرح بفقده العلامة الثانية أن يستوى عنده ذامه ومادحه فالأول علامة الزهد في المال والثانى علامة الزهد في الجاه العلامة الثالثة أن يكون أنسه بالله تعالى والغالب على قلبه حلاوة الطاعة إذ لا يخلو القلب عن حلاوة المحبة إما محبة الدنيا وإما محبة الله وهما في القلب كالماء والهواء في القدح فالماء إذا دخل خرج الهواء ولا يجتمعان وكل من أنس بالله اشتغل به ولم يشتغل بغيره ولذلك قيل لبعضهم إلى ماذا أفضى بهم الزهد فقال إلى الأنس بالله فأما الأنس بالدنيا وبالله فلا يجتمعان .
وقد قال أهل المعرفة إذا تعلق الإيمان بظاهر القلب أحب الدنيا والآخرة جميعا وعمل لهما وإذا بطن الإيمان في سويداء القلب وباشره أبغض الدنيا فلم ينظر إليها ولم يعمل لها ولهدا ورد فى دعاء آدم عليه السلام